-A +A
عبدالله عبيان (بيشة)
تحتل محافظة بيشة موقعا استراتيجياً مهماً على طرق التجارة القديمة القادمة من جنوب الجزيرة العربية، فقد كانت إحدى محطات قوافل التجارة القادمة من الجنوب، حيث كان يمر بها أحد فروع الطريق التجاري الدولي الشهير المعروف بــ«درب البخور» الذي كان يربط بين جنوب الجزيرة وشمالها من جهة، ويربطها بدول حوض البحر المتوسط من جهة أخرى.كما مر بها «أبرهة الأشرم» في أثناء حملته المشؤومة على مكة المكرمة لهدم الكعبة.
تعد محافظة بيشة من أهم محافظات منطقة عسير من الناحية الأثرية على حد قول الباحث في علم الآثار الدكتور مسفر بن سعد الخثعمي الذي اوضح ان آثارها تعود إلى عصور تاريخية مختلفة فإلى جانب الطرق التجارية القديمة هناك عدد من آثار ما قبل الإسلام حيث يشاهد زوار بيشة عددا كبيرا من المنشآت الحجرية المختلفة وبقايا لآثار أسواق تجارية قديمة ومدن وقرى قديمة كما يوجد بها آثار عدد كبير من المناجم ومراكز التعدين وكميات هائلة من الرسوم والنقوش الصخرية وبقايا لعدد من السدود والقنوات المائية الخاصة بأنظمة الري القديمة وسلاسل من المقابر السطحية المبنية فوق سطح الأرض واستطرد الخثعمي قائلا: في العصر الإسلامي أصبح الطريق الذي سلكه «أبرهة الأشرم معبراً للجيوش الإسلامية في أثناء سيرها إلى بلاد اليمن، ثم تحول الطريق بعد ذلك إلى طريق لحجاج اليمن، و يخترق الطريق أرض المحافظة من جنوبها إلى شمالها كما أثبت ذلك الباحث محمد الثنيان(بقسم الآثار جامعة الملك سعود) والذي تتبع الطريق من صنعاء إلى مكة.
وتحتوي المحافظة على عدد من المدن و«البدور» التي تحدثت عن بعضها كتب التاريخ والتراث الإسلامي كقرى العبلاء، والفتيحا، وتبالة وغيرها ,ويوجد بها قرى أثرية أخرى ومنها قرية «البدور» التي تعد أكبر قرية أثرية في منطقة عسير وإلى جانب القرى هناك القلاع الحربية والحصون وأبراج الحماية التي تنتشر في كل مكان ولا تزال شاهدة على شجاعة وبسالة أهل بيشة.
وقال الخثعمي ان بعض المواقع الأثرية في بيشة تحتاج إلى ترميم لبعض معالمها الأثرية لكي تصبح وسيلة من وسائل الجذب السياحي مشيراً الى ان قرية الرقيطاء تعد من اهم المواقع الاثرية في بيشة على الضفة الغربية للوادي وقد اكتسبت هذه القرية شهرتها من خلال قلعتها الأثرية والتي بنيت في زمن الدولة السعودية الأولى عام (1213هـ) ، وعين عليها الشيخ سالم بن محمد بن شكبان كأمير على بيشة من قبل الدولة السعودية ، ولما توفي خلفه ابنه فهاد.

تبالة
وقال الخثعمي ان القرى الأثرية التي تكثر في منطقة تبالة التابعة لبيشة تشتمل على مجموعات مختلفة من حيث تاريخ نشأتها ونمط بنائها وأسلوبه، إضافة إلى المواد المستخدمة في البناء واوضح أن بعضاًَ من هذه القرى ربما يعود إلى القرون الإسلامية الأولى و هذا ما أكده العلماء حيث ذكروا أن هذه البلدة كانت عامرة عند بزوغ فجر الإسلام ، بل وأصبحت ولاية إسلامية تولاها الحجاج بن يوسف الثقفي في اولى ولاياته وتطورت عبر العصور الإسلامية ، ووصفها قدامة بن جعفر بقوله : «... تبالة قرية عظيمة كثيرة الأهل ...» ، ويبدو أنها تطورت إلى أن وصلت مصاف المدن ، كما أخبرنا بذلك أحد علماء المواضع وهو الإدريسي ، والذي قال عنها ما نصه : «... تبالة مدينة صغيرة بها عيون ...» ، ووصفها ابن خرداذبة بأنها مدينة كبيرة فقال : «... ثم إلى تبالة مدينة كبيرة فيها عيون ...».
ومع هذا كله فإننا لم نعد نرى من هذه الآثار إلا ما يدل عليها نظراً للعبث الذي طال الآثار الإسلامية في هذه البلدة حيث سجل أبناؤها في العصر الحديث رقماً قياسياً في تدمير آثار أسلافهم.
وتظهر لنا في المنطقة بقايا آثار من القرى الإسلامية التي أقيمت فوق قمم وسفوح الجبال مثل: قرى وشحاء وعلياء وبني خناس وقرية البطنين ، وقرية المصعبين ، ومن الملاحظ أن هذه القرى قد بنيت بمادة الحجر كما تم التركيز في بناء هذه القرى على اختيار الأماكن الحصينة التي تساعد الاهالي في هذه المنطقة على خزن محاصيلهم, وعلى الدفاع عن أنفسهم, والوقوف أمام هجمات الأعداء ، وبخاصة من أبناء البادية الذين كانوا يغيرون على القرى والمناطق الحضرية في وقت جني الثمار.


قرية الكليات
وعن أبرز القرى والتحصينات الدفاعية في المنطقة يقول الخثعمي ان قرية هضبة تبالة والمعروفة حالياً باسم «الكليات» من اهم القرى و تقع إلى الشمال من وادي تبالة ، وتمتاز بموقعها الاستراتيجي الحصين ، حيث تقع في الجهة الشمالية, الغربية من قمة هضبة الكليات الوعرة ، والتي سميت باسمها ، وتعد القرية من أحصن قرى تبالة وأمنعها على الإطلاق، ليس لقوة بنيانها، أو لمناعة أنظمتها الدفاعية، وإنما لحصانة موقعها الاستراتيجي الذي تطل من خلاله على قرى تبالة كلها، ولا أحد من الأعداء يستطيع الوصول إليها إلا من كان منتحراً أو مخاطراً بنفسه,وقال الخثعمي انه من غير المعروف متى بنيت هذه القرية ، ولكن من المؤكد أنها أنشئت في ظروف سياسية وأمنية مضطربة، وإن كان بعض الباحثين يرى أنها القلعة التي بناها الأميرعايض بن مرعي في تبالة، وكان الأمير عايض قد بنى عدداًَ من القلاع في منطقة بيشة لتأمين حدوده الشمالية والتي شهدت حالات من المدوالجزر مع أشراف الحجاز.

الفرع
واضاف الخثعمي: من القرى الهامة في بيشة قرية الفرع وتقع إلى الشمال الغربي من هضبة تبالة وتبدو أحدث منها ، والقرية مبنية من الطين والحجر ، ويحيط بها سور دائري تبلغ أطواله حوالي مائتي متر في الطول في عرض 150 متراًَ تقريباً ، ويتصل السور الخارجي بأبراج حماية على شكل دائري.
ويتوسط المسجد القرية, ومن الملاحظ أنه قد روعي عند تصميم المنازل ترك طرق للمشاة بين المنازل وفي كل الاتجاهات لتمكن أصحاب المنازل الواقعة في الأطراف من الوصول إلى المسجد بيسر وسهولة ، وهذا نظام متبع في المدن والأحياء والقرى الإسلامية ، ولا شك أن بناء المساجد في وسط القرى يعود أيضاً إلى بعض العوامل الأمنية, ويبلغ طول المسجد حوالي عشرين متراً في عرض عشرة أمتار تقريباً ، وقد تم بناؤه بمادة الطين ، واستعملت جذوع النخيل وجريده وأشجار الأثل في تسقيف أسطح المباني.

قصر الثغر
ومن المباني الأثرية الهامة في تبالة قصر الثغر الذي قال الخثعمي انه قصر أثري يقع وسط بلدة تبالة ، ويحيط بالقصر من جهة الشمال قرية البطنين وقرية بني خناس ، ومن الجنوب الغربي قرية المصعبين, وهي أكبر القرى الثلاث, ويعرف محلياً باسم قصر شعلان بن صالح ، وتعود ملكيته حالياً إلى ورثة المواطن عوضه بن علي بن قبلان الفزعي ، وقد بني القصر في عهد الدولة السعودية الأولى في أعقاب دخول بيشة وتبالة تحت لواء الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود عام 1213هـ، وقد بنت الدولة السعودية عدداً من القصور في المناطق التي خضعت لها ومنها بيشة حيث بنت بها قلعة عرفت بقلعة بن شكبان ببلدة الرقيطاء، وتبالة حيث بنت بها فصراً عرف بـ«قصر الثغر». وتتسم القصور والقلاع التي شيدتها الدولة السعودية الأولى بطابع معماري واحد ومتشابه، وعرفت هذه القصور باسم «ثغور» .وقد هدم قصر الثغر على يد محمد علي، حاكم مصر عام (1230هـ)، وذلك بعد أن انتصر جيش محمد علي على جيش عبدالله بن سعود الكبير في معركة بسل الشهيرة في مطلع العام 1230هـ، حيث توجه محمد علي بعد هذه المعركة إلى بيشة وعرج على تبالة وحاصر شعلان في قصره بتاريخ الثالث عشر من شهر صفر من العام نفسه ، وقد وجه مدافعه إلى القصر وأخذ يقذفه بقنابل المدفعية حتى أحدث عدداً من الفتحات في جداره الخارجي ، وتمكن بعد ذلك من قتل شعلان مع حوالي مائة فرد من رجاله الذين كانوا يتحصنون داخل القصر.