في الجزء الشمالي الغربي من المملكة تقع محافظة القريات, بالقرب من الحدود السعودية الأردنية, ويعتبر منفذ الحديثة البري التابع لمحافظة القريات والذي يبعد عنها حوالي 30 كم من أهم منافذ المملكة وأكبر منفذ بري في الشرق الأوسط, وتجتمع فيها كثير من المواقع الأثرية التي تكتسب قيمة كبيرة نظرا لأهميتها التاريخية ولرقعتها الواسعة, كما تكتسب أهمية سياحية لتقاربها وتجاورها, فإلى شمال شرق القريات بحوالي 25كم تقع قرية كاف الأثرية، وتنطق الكاف ما بين "السين والكاف" وكانت قديما قاعدة الوادي ومقر الحكم حتى عام 1375هـ.
قرية كاف تعتبر من أقدم قرى محافظة القريات حيث يوجد بها مبان قديمة عبارة عن بيوت طينية متلاصقة وقنوات مياه وقلعة, ولقد ذكرها ياقوت الحموي فقال: "كاف حصن حصين بسواحل الشام قرب جبله". وأضحت كاف فيما بعد مقرا للحكم السعودي من عام 1344هـ وحتى انتقل مقر الأمارة الى مدينة القريات عام 1357هـ. ولقد زار القرية عدد كبير من الرحالة الأوروبيين ومنهم الانجليزية الليدي آن بلنت في 28 سبتمبر عام 1297هـ ووصفها: بأنها قرية صغيرة ولطيفة ولها طابع خاص, عيون الماء الكبريتية في قرية كاف متميزة تماما من أي شيء يراه المرء في سوريا وكل شيء نموذج مصغر الستة عشر بيتا المربعة الصغيرة والأبراج الصغيرة ذات المشارف والأسوار بمشارفها بارتفاعها 7 أقدام والسبعون أو الثمانون نخلة في بستان يروى من آبار وبعض الأشجار حسبتها في البداية سرو, ثم اتضح بأنها نوع رقيق من الأثل وأن القرية ذات منظر فريد ولن تجد شرفة واحدة مكسورة أو بابا خارجا عن مفصلاته وشجرات تين حديثة وكروم. بالطبع هذا الوصف الجميل أضحى أطلالا ولم نر في الواقع الا قرية تهدم كثير منها, وبدأت معالمها تغيب شيئا فشيئا, مع عبث الحفارين الباحثين عن الكنوز وستقابلك حفرياتهم في أي جهة كنت, وكذلك عبث بعض الزائرين بكتابة "الذكريات" على جدران القرية مما أضاف تشويها الى التشوه القائم, والمزارع -برغم صمود النخيل- محترقة ومتهالكة, بل ووجدنا أحد المواطنين يسور جزءا من المزارع بشبك وحين سألناه عن ذلك قال بأنها ملك أبيه, ووجدنا عينا بدأ مصبها يتحول الى ترسبات بكتيرية، والفضل في ذلك كله الى عدم المبالاة وعدم الاكتراث من مسؤولي الآثار.
جبل الصعيدي
وضمن نطاق قرية كاف الى الشمال تقع فوق قمة جبل قلعة متهدمة جزئيا, ارتفاع جدرانها نحو 5 أمتار, ومبنية من الحجارة البازلتية السوداء, يحيط بها سور يضم قمة الجبل بأكمله، وبه أربعة أبراج في أركانه وفيها غرف كانت تستخدم للسكن والمراقبة, بالإضافة الى خزانات المياه، ويمكن الوصول الى القلعة عبر طريق وعر طوله 1200 متر من قاعدة الجبل حتى بوابة القلعة، ويصلح للعربات, ويرجع تاريخ إنشائها إلى الفترة النبطية, واستخدمت في الفترة الاسلامية لحماية طريق الحجاج المار بالمنطقة حتى بداية الحكم السعودي.
قصر كاف
وأسفل الجبل من الشرق يقع قصر كاف وهو عبارة عن قصر تاريخي قيل إنه بني عام 1338هـ من قبل الشيخ نواف الشعلان قبل أن تخضع المنطقة لحكم الملك عبدالعزيز "رحمه الله", وقال مؤلف كتاب القريات عبدالرحمن الشمدين أن القصر كان مبنيا منذ القديم وجدد بناءه ابن شعلان عام 1338هـ والدليل على ذلك ما عثر بداخله من أدلة استيطان نبطية كما عثر على فخار إسلامي الأمر الذي يشير لاستخدامه في تلك العصور، ثم أخلي الموقع وسلم للملك عبد العزيز إبان فترة التأسيس عام 1344هـ, والقصر عبارة عن قلعة حربية الشكل بنيت من الحجر الرسوبي الكلسي الأبيض ذي طراز معماري فريد على منطقة صخرية ويتكون من عدد من الغرف للاستخدام السكني وبعضها للإدارة وبعضها مخازن ذخيرة وله أربعة أبراج في كل زاوية, فهو مربع الشكل وأبراجه مطوية بطريقة معمارية فريدة وتوجد بها الفتحات الدفاعية وتتكون جميع أبراجه من دورين كما يوجد على بوابته الرئيسية الوثيقة التأريخية لبنائه والتي نقشت على قطعة من الحجارة في نفس تصميم البناء المكتوب وعليها تأريخ بنائه 23 رجب 1338 هـ, وتبلغ مساحة القصر بطول 51.70 مترا وعرض 50.47 مترا ويوجد له بوابات كبيرة من الجهة الشرقية في نفس السور للقصر والأخرى توجد في الجهة الجنوبية وتفتح باتجاه الشرق وهي داخل البناء نفسه.
العجيب ان ترميم القصر حوّله الى معمار حديث, ورأيناه يرمم بالطين بينما هو مبني في الأصل من الحجر, ورصفت أرضيته بالبلاط وغيرت أبوابه القديمة بأبواب حديثة، ونُشرت الإضاءة في كل أرجاء القصر، الأمر الذي غير معالم القصر وربما نزع منه روحه وقيمته الأثرية, وكل ذلك يعود حسب د.خليل المعيقل إلى إيكال الترميم الى غير المتخصصين وانعدام الدراسات التي تسبق الترميم, وكذلك انعدام وجود الشركات المتخصصة في الترميم. ومقابل كاف على يمين الذاهب الى القريات منطقة كانت لزراعة التين والعنب.. وقد حدثني مرافقي بأن أباه قد حدثه عن تلك المنطقة بأنها كانت مزارع تنتج التين والرمان في الوقت الذي لم تكن تعرفه المنطقة الشمالية، وقدر ذلك قبل 100 سنة .
قرية إثره
وبمسافة كيلومتر واحد فقط عن قرية كاف تقع قرية إثره التوأم لقرية كاف, وحيث ان معظم المعلومات الواردة في كتب الرحالة عبرت عن هاتين القريتين, فهما نشأتا في حقبة زمنية واحدة, وقرية إثره من أهم المستوطنات النبطية في هذا الجزء من وادي السرحان وعلى الرغم من وجود آثار الأنباط في قرية كاف في قلعة جبل الصعيدي وقصر عقيلة المشعان, إلا أننا نجد في قرية إثره أكثر من خمسة قصور بنيت بالحجارة البازلتية السوداء, وكذلك نظام ري للمياه داخل باطن الأرض مما يؤكد على اهتمامهم بالنشاط الزراعي, ولقد دخلت القرية في الفتح الإسلامي سنة 636 ميلادي, ومما ورد عن قرية إثره ما كتبته الرحالة الانجليزية الليدي آن بلنت, حيث وصفت قرية إثره بأنها محل أصغر من كاف إلا أنها تفخر بالبنايات القديمة, والقرية المصغرة في داخل الأسوار شيء ما على طراز بيوت هارون الرشيد, وهذه مبنية بحجارة سوداء، حسنة التربيع, منظمة الوضع, بدلا من الطين "المادة العربية الشائعة في البناء".
قصر إثره النبطي
ويقع في القرية ذاتها قصر أثري تم بناؤه من الحجارة البازلتية السوداء ويعتقد بأنه يعود لحضارة الأنباط, وذلك على أن المنطقة عموما خضعت للأنباط فترة طويلة وأن قرية إثره من أكبر المستوطنات التي سكنها الأنباط, والقصر مكون من طابقين, ويحيط به فناء وله بوابة رئيسية من الجهة الشرقية يعلوها نقش عبارة " بسم الله الرحمن الرحيم, لا إله إلا الله وحده لا شريك له, محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون", كما يوجد على عتبة الباب وضمن حجر البناء عبارة عن قوس متجه رأسه لأسفل يشبه الهلال ومن الواضح أن القصر تعرض لبداية الفتوحات الإسلامية وأعيد ترميمه, كما أعيد ترميمه في فترة أخرى, وذلك واضح من خلال وضع بعض الحجارة في غير مكانها الصحيح وتبعثر النقوش في جميع أجزاء البناء مما يدل على انهياره وإعادة ترميمه والمحافظة عليه, علما بأن ملكية هذا القصر تعود للمواطن محمد بن سلطان المذهن.
قصر الوسيعة
منزل من دورين يقع في قرية إثره داخل أحد المزارع وهو عبارة عن غرف مبنية من الحجارة البازلتية ولا توجد سوى أساساتها التي بني عليها غرف من الطين المسقوف بالأثل وجريد النخيل وتوجد بجوارها قنوات مياه تحت الأرض وبئر ماء.
قرية منوه
وباتجاه الشمال الشرقي بحواليى 30 كم عن مدينة القريات وبالتحديد على الطريق الدولي الممتد نحو مدينة طريف تنام قرية منوه القديمة, وتعتبر التوأم لقرية عين الحواس, وقد كانت بيوتها من الطين ومسقوفة بالأثل وجريد النخل, وبجوارها مزارع قديمة للنخيل, وتكثر بها عيون المياه الكبريتية الجارية, وشوارعها ضيقة, وبها مسجد في طرفها الجنوبي, وتتميز بيوتها بوجود أبراج دائرية الشكل, وبأنها تتكون من غرف صغيرة تحف بفناء داخلي مسور يستخدم أحيانا للحيوانات, ومعظم فتحات أبوابها ونوافذها مغطاة بالرمال لأن سكانها هجروها منذ عام 1408 هـ الى القرى المجاورة بسبب رداءة مياهها وعدم صلاحيته للشرب والري, أما الآن فهي أطلال مندثرة المعالم, لا تكاد تميز أولها من آخرها, عاف عليها الزمن ولم تسعد بمن يعيد إليها نضارتها.
قصر الحواس
وعلى مقربة من قرية منوه يقع قصر مبني من الطين مربع الشكل متماسك الجدران بنيت قمم الجدران بحجارة للمحافظة عليه من التهدم, شيد على مرتفع صخري يشرف على المزارع القديمة وعلى عين الحواس, قيل بأن ملكيته تعود لأمير منطقة القريات قديما عبدالله الحواس, استخدمه كمقر سكن له, ولقد قام بالبناء المواطن عطا الله السبيتي وهو يتكون من فناء واسع وبرجين مراقبة وسكن عائلي ومجلس خارجي وله بوابة واحدة ويقع في قرية عين الحواس, ولقد سميت بالعين لتوفر عيون المياه فيها.
عين الحواس
وهي عين جارية كبريتية "كانت" تتجمع مياهها في بركة طبيعية تشكلت حولها واحة جميلة, وتستغل مياهها في ري بعض المزارع, ويوجد بجوارها عدد من أشجار النخيل, ومياه العين صافية ودافئة ومصدرها مغطى بصخرة للحفاظ عليه, وتكثر في مياه البركة الطحالب الخضراء, وهي الآن عبارة عن منطقة محترقة لا أكثر, وقال أحد المواطنين بأن العين قد تنفجر في أي وقت وبأن تغطيتها بالصخرة كان سببا في احتراق المنطقة الخضراء المجاورة للعين. وتشترك كل تلك الأماكن الأثرية في أنها لم تجد من يحافظ عليها ويرممها وينقب حولها إذ أن كثيرا منها تهدم, وبعض القصور آلت للانهيار, كما أنه لا توجد أي لوحات إرشادية إليها, وحتى المعلومات عنها تعاني من نقص شديد.
قصر الحديثة
يقع القصر غرب قرية الحديثة القديمة على الطريق الدولي على بعد 5 كم من التجمع السكاني, وقد أنشئ عام 1371 هـ من الحجارة البازلتية السوداء اللون, وتم إخلاؤه عام 1393 هـ عندما رحل العاملون به الى منفذ الحديثة, ويضم برجين من دورين, وعددا من الغرف وفناء داخليا .ولقد تم تسليمه لوكالة الآثار بوزارة التربية والتعليم فأجرت له الترميمات اللازمة. والملاحظ على آثار محافظة القريات أن نصيبها من الاهتمام صفريا حتى المعلومات المتوفرة عن تلك الآثار شحيحة جدا, فضلا عن الطرق واللوحات الإرشادية.
«إثره» النبطي تعود ملكيته لمواطن
قصـر كــاف عمليات الترميم حولته إلى عمران حديث
21 أبريل 2008 - 20:01
|
آخر تحديث 21 أبريل 2008 - 20:01
قصـر كــاف عمليات الترميم حولته إلى عمران حديث
تابع قناة عكاظ على الواتساب
جولة: سلطان الحمزي