-A +A
عبدالرحمن الطريري
تستضيف المملكة القمة العربية في منتصف شهر أبريل الجاري، ولن تقول نشرات الأخبار كالمعتاد تستضيف الرياض !، لأن العاصمة لن تكون مقر القمة كما يحدث من أغلب الدول العربية.

حيث تأتي القمة في المنطقة الثالثة سعوديا في عدد السكان بعد مكة المكرمة والرياض، وهي المنطقة الشرقية، وتحديدا في مدينة الظهران، حيث سيكون مقر انعقاد القمة في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي «إثراء»، وهو إحدى مبادرات أرامكو الثقافية.


والقمة العربية عبر انعقادها في مركز ثقافي، لعلها تستحث الإدراك المبني على الدلائل، لا الانسياق عبر الشعارات التي مثلت الأفيون الذي دمر الشعوب العربية لعقود، ولعل أهم القضايا التي قتلتها بطولات المذياع، هي قضية العربي الأولى «قضية فلسطين».

في هذا العام 2018 يتم الاحتلال الفلسطيني عامه السبعين، وكلما عدنا لقراءة التاريخ، وجدنا الانقسام الفلسطيني أولا ثم الانقسام العربي ثانيا، هما أقوى مسببات الأمان لإسرائيل، وخلال العقدين الماضيين يظهر جليا، كيف كانت مواقف قطر صاحبة العلاقات الجهرية مع إسرائيل، أو إيران صاحبة العلاقات السرية مع إسرائيل، سببا كبيرا للانقسام الفلسطيني والعربي كلما كان هناك مصالحة للتقارب.

ولعل آخر محاولات التفريق بين الفلسطينيين حدثت الشهر الماضي، فبعد أن سارت المصالحة المصرية خطوات كبيرة للأمام وبدأ القيادات الفلسطينية في غزة والضفة بالتواصل والتنسيق، حدثت محاولة اغتيال لرئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله بمتفجرات زرعت تحت الأرض بعد دخوله قطاع غزة مباشرة، خلال توجهه لافتتاح مشروع تنقية المياه.

وكم تذكرنا هذه الطريقة بأسلوب إيران وحزب الله، في اغتيال الرفيق الشهيد رفيق الحريري، لأن عدو إيران الحقيقي هو اجتماع الفرقاء في الدول العربية، والعمل على التنمية، وجعل اختلافاتهم الطائفية والدينية خلف ظهورهم، لأن هذا حين يتم لا يُبقي مدخلا، لمحور زعزعة الأمن العربي (إيران قطر تركيا).

وفي هذا العام أيضا يمر ستة عشر عاما، على المبادرة العربية التي تقدم بها الملك عبدالله رحمه الله، ولي العهد السعودي آنذاك للقمة العربية في بيروت 2002، وهي المبادرة التي قدمت العرب من خلالها كدعاة سلام، بعكس ما تروج له الدعاية الليكودية الإسرائيلية في الغرب، مع التأكيد على حقوق الفلسطينيين في دولة على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية.

ولأن بعض المحللين يروق لهم الاعتقاد بأن السياسة السعودية تختلف من ملك لآخر، متغافلين أن السياسة السعودية على المستوى الإستراتيجي راسخة عبر العصور، فلعلنا نعود من مبادرة الملك عبدالله في 2002، إلى مبادرة الملك فهد في 1981، والمكونة من 8 مبادئ تشمل قيام دولة فلسطينية مستقلة، على حدود 67 عاصمتها القدس، وإزالة المستعمرات الإسرائيلية على هذه الأراضي، وحق العودة للشعب الفلسطيني.

ومن المفهوم في سياق الإدمان العربي على الخطب الرنانة أن يكون هناك اعتراض من دول عربية على المبادرة، لكن بالإضافة لذلك اعترضت على هذه المبادرة إسرائيل، حيث قال مناحيم بيغن: «إن إسرائيل ترى في الاقتراح السعودي، خطة لتدميرها على مراحل، وبموجب هذا الاقتراح فإن الاعتراف بإسرائيل تبعا لذلك ليس سوى وهم».

وبعد رفض المبادرة من عدة دول عربية وأطراف فلسطينية، قررت المملكة سحب مبادرتها لاحقا في قمة فاس 1981، وعلق الناطق باسم الحكومة السعودية: «نظرا لإيمان المملكة التام بأن أي إستراتيجية عربية يجب أن تحظى بالتأييد الجماعي، لكي تستطيع دفع الموقف العربي للأمام، فقد قام الوفد السعودي بسحب المشروع مؤكدا لمؤتمر القمة أن المملكة العربية السعودية على استعداد تام لأن تقبل أي بديل يجمع عليه العرب».

وللتاريخ فإن إفشال المبادرة السعودية كان ضرورة إسرائيلية لاجتياح بيروت في العام التالي، فالسلام خطر على إسرائيل أكثر من غيرها، ولكنه خطر أيضا على دكاكين المقاومة المرتبطة بإيران أو بجماعة الإخوان المسلمين، فإيران تريد أن تشتري السلاح الأمريكي عبر إسرائيل كما فعلت في فضيحة إيران كونترا لمجابهة العراق، ثم تقنع البعض بشعاراتها حول الوقوف مع حق الشعب الفلسطيني وأن أمريكا هي الشيطان الأكبر.

تأتي القمة العربية في السعودية، في مركز ثقافي لتضيء على أحد أهم مواطن القوى السعودية، والتي لم تحظ بالكثير من العناية، وهو القوة الناعمة السعودية، ولتعطي مؤشرا إضافيا على كونها دولة عظمى، حيث إن من سمات الدول العظمى أن لا تنحصر التنمية في العاصمة، بل تكون العديد من المدن مكتملة التنمية على مستوى العاصمة.

* إعلامي وكاتب سعودي