لاحظت أن عدداً لا بأس به من شباب وشابات الجيل الحديث ليس لهم ذلك الحب لمكة المكرمة (البلد الحرام) ولا يتشوقون إليها ولا يعظمونها كما ينبغي، ويجهلون الكثير من تاريخ البلد الحرام وقدسيته ومكانته بين البلدان، فقلت في نفسي أين الخلل؟ هل هي الأسرة أم المجتمع أم المدرسة؟
فأحببت أن أتقصى الأسباب؛ فوجدت أنه من الصعب دراسة الأسر والمجتمع، فقررت ان أطلع على كتب التاريخ في مدارسنا لأرى ماذا يأخذون وماذا يتعلمون عن البلد الحرام في هذه الكتب، فجمعت كتب التاريخ من الرابعة الابتدائية حتى الثانوية العامة للبنين والبنات، واطلعت عليها فآلمني ما وجدته في تلك الكتب عن البلد الحرام، سطور هنا وسطور هناك دون تركيز على قدسية المكان وكيف نُعظمه، فعرفت أن من أسباب ما رأيت هو تقصير مناهجنا في تعليمهم الدروس والعبر في تاريخ هذا البلد الحرام وتعليمهم مكرمات هذا البلد لكل البشرية من المسلمين وغير المسلمين. ولا شك أن للأسرة والمجتمع أيضاً، دوراً في هذا التقصير. وكنت قد اطلعت على كتيب أصدرته جمعية مراكز الأحياء بمكة المكرمة (مشروع تعظيم البلد الحرام) بعنوان (عطاءات البلد الحرام) للدكتور الشريف حاتم بن عارف العوني، عضو مجلس الشورى وعضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى، فوجدت فيه خيراً كثيراً وكلاماً جميلاً عن مكة المكرمة وعطاءاتها والدروس والعبر من تاريخها، وأتمنى أن يُدرس هذا الكتيب في مدارسنا، وأن تقرأه كل أسرة مسلمة لأبنائها وبناتها، وان يتولى الإعلام أيضاً دوراً في نقاش ما جاء فيه من عبر ودروس للأجيال، وكيف نُعظم هذا البلد الحرام. وجزى الله خيراً القائمين على مشروع تعظيم البلد الحرام لجهودهم المباركة بإذن الله وعلى الجميع التعاون معهم لنشر هذا الفكر الراقي في تعظيم وتوقير بيت الله الحرام.
والآن مع فقرات مما جاء في كتيب الدكتور حاتم ـ جزاه الله خيراً وجعل ذلك في ميزان حسناته ـ مع شيء من التصرف، فهذا ما أتمنى أن نغرسه في نفوس أبنائنا وبناتنا من حب لمكة المكرمة ومن تعظيم للبلد الحرام، وما أتمنى أيضاً أن يتحلى به أهل مكة المكرمة وقاطنوها.
1ـ في خضم أحداث الحياة وصخب الحضارة وازدحام المشاغل وهموم المعاش واكدار الدنيا من الأمراض والأتعاب وأنواع الابتلاءات، هناك لحظات في حياة المسلم تسمو على ذلك كله، إنها اللحظات التي يتوجه فيها المسلم في كل بقاع الأرض إلى البلد الحرام لأداء الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة.
2ـ فإلى جهته (أي البلد الحرام) يوحّد الله تعالى، وإلى جهته تُنصب القامات وتسجد الجبهات، وإلى جهته يرفع المسلمون حاجاتهم، عندها تتحقق الحاجات وتنزل الرحمات وعندها يرضى الرحمن وتعلو منازلنا في الجنان ونفوز بالنجاة من النيران. هذه العطاءات كلها قدّرها الله تعالى بالتوجه إلى البلد الحرام!!
3ـ لا عجب إذن أن بلداً ذاك هو عطاؤه (بتقدير الله) تحن له القلوب تلبية لنداء سيدنا ابراهيم عليه السلام “وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا”. انها قصة حب أزلية هي أقدم قصة حب بين إنسان وموضع على وجه الأرض، إنه حب مكة المكرمة (أم القرى).
4ـ فإذا ذهب المسلم إلى المقام ليصلي خلفه سنة الطواف، ورأى مقام إبراهيم عليه السلام وهو آية بينة على التوحيد “فيه آيات بينات مقام إبراهيم”. كل بقعة في هذا البلد الحرام لها مع التوحيد قصة قديمة وتاريخ عريق حتى ذلك الحجر المسمى بمقام إبراهيم.
5ـ أما ماء زمزم فهو خير ماء على وجه الأرض: طعام طعم وشفاء سقم.
6ـ السعي بين الصفا والمروة، هو رمز اتباع الأسباب والأخذ بها كما علمتنا إياه أمنا هاجر بعد أن علمتنا التوكل بقولها للخليل إبراهيم: فلن يضيعنا.
7ـ أما عطاءات البلد الحرام لأهله وقاطنيه، ومن حظوا بنعمة المجاورة فيه، الذين ما عرفوا إلا لذة الوصال، ولا أضناهم الحنين، ولا أقلقهم الشوق فهم في نعيم القرب متقلبون وفي أعماق العناق قائمون نائمون. فيا أهل مكة: أنتم آمنون حين يخاف الناس، طاعمون حين يجوع الناس، أفئدة الناس إليكم مقبلة، ووجوههم إلى بلدكم آمة. لكم حرمة البلد الحرام وما عرفنا البلاد إلا وأهلها يحمونها، إلا أنتم فبلدكم يحميكم، وماعهدنا بلدا تأتيه ثمرات كل شيء من خارجه، مكفولة أرزاقه الا بلدكم، ولا عرف التاريخ بلداً يشتاق إليه غير أهله أكثر من اشتياقهم إلى بلدانهم وأوطانهم إلا بلدكم.
8ـ يا أهل مكة أنتم في أحب البلاد إلى الله، يا أهل مكة كم مرة أثقلت الذنوب كواهلكم، فجئتم مسجدكم فحططتم عنده الأوزار ورجعتم كحمائم البيت طهرا من الآثام. يا أهل مكة الناس يصلون وأنتم تصلون، ولكن صلاتكم بمائة ألف صلاة في غير بلدكم. لئن كانت هذه بعض عطاءات البلد الحرام، فماذا أعطينا البلد الحرام؟؟!!
جزاك الله خيرا يادكتور حاتم وأكثر من أمثالك ونولك أعلى الجنان ورؤية الرحمن.