في الحلقة الماضية تحدثنا عن نشأة بوتو في عائلة سياسية عريقة وعرفنا ان جدها كان السير شاه نواز بوتو احد السياسيين المشهورين في الهند البريطانية وتعرفنا ايضا كيف سار والدها ذو الفقار علي بوتو على خطى جدها السياسية حيث درس في كلية بروكلي وجامعة اوكسفورد.ليعود الى كراتشي متأثرا بما رآه في الغرب ثم توليه اول منصب رسمي كعضو في الفريق الباكستاني الى الامم المتحدة. وفى العام 1967شكل حزب الشعب الباكستانى. وتطرقنا الى الانقسام الذي وقع بين باكستان وبنجلاديش وسعي بوتو الى مشروع القنبلة النووية. وفي هذه الحلقة نتحدث عن اعدام الاب واتجاه بوتو الابنة الى الغرب للدراسة ونسجها لعلاقات متميزة مع اعضاء في الكونجرس الامريكي ونجاحها في ما فشل فيه والدها. أُعدم ذو الفقار علي بوتو وكانت الابنة حينها لا تتعدى الخامسة والعشرين من عمرها ، اتجهت إلى الغرب الذي درست فيه منذ العام 1969 ، وبدأت بنسج علاقاتها مع القوى الغربية التي عادة ما تكون أكثر تقبلا لسيدة مسلمة ، ولعل العلامة الفارقة في حياتها في الغرب نجاحها في ما فشل فيه والدها الذي استعدى الغرب ضده ، فدفع ثمن ذلك حياته ، حين لم يقف بجانبه أحد يوم إعدامه ، ودفع ثمن موقفه بناء الرصيد النووي الباكستاني الذي زرعه بنفسه وسقاه ضياء الحق ، وحصده نواز شريف بتفجير نووي رغم المطالبة الأمريكية الملحة عليه بألا يفعل ذلك ، غير أن بينظير تمكنت خلال سنوات الإقامة في الغرب وأميركا تحديدا من نسج علاقات مميزة مع أعضاء الكونغرس ، ما فتح لها أبواب عالم الإعلام الغربي الذي كان خير معين لها على التعريف بها ، فقطفت ثماره لاحقا من خلال وصولها إلى السلطة .
ذو الفقار علي بوتو الذي قاوم ضغوط وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر بعدم التوجه نحو صناعة القنبلة النووية ، قال له مقولته المعروفة حينها : «سنأكل العشب ، لكننا سنصنع القنبلة النووية» ، ورد عليه كيسنجر بمقولته المشهورة أيضا : «سنجعل منك أمثولة» وحصل أن أعدم بوتو على يد ضياء الحق ، وربما جعل كيسنجر أمثولة منه ، لكنه فشل بكل تأكيد في أن يجعله أمثولة في من يقترب من السلاح النووي المحرم ، بعدما نجح ضياء الحق في صنعه وتلميذه نواز شريف، فعيّنه في منصب وزير محلي ، ثم كبير وزراء إقليم البنجاب ، أكبر الأقاليم الباكستانية ، ليتزعم أحد أهم حزبين رئيسيين في البلاد ، ويصل بعدها إلى رئاسة وزراء البلاد لفترتين متباعدتين ، وهو ما يعني نجاح ضياء الحق في مأسسة إرث سياسي له يضاهي ربما إرث بوتو السياسي ، وتظل البلاد حتى هذه الساعة رهينة للإرثين معا.
مع سنتي سجن عميد الأسرة كان الشقيقان مرتضى وشاه نواز في لندن ، فمنعا من العودة ، أما الوالدة والبنت بينظير فقد سجنتا وتم إيقاف البنت ، لكن أطلق سراحهما بعد ذلك وسمح لنصرت الأم بمغادرة البلاد لطلب المشورة الطبية
العمل السياسي في المنفى
في العام 1984 أُطلق سراح بينظير، جزئياً بفضل الضغوط الأمريكية التي قام بها صديقها القديم في هارفرد بيتر غالبرايث ، وقد وصفت هذه الفترة لاحقاً في مذكراتها التي حملت عنوان ابنة الشرق (1988) تقول : «.... بعد مدة قصيرة من ثناء الرئيس ريغان على النظام لقيامه بـ « خطوات كبيرة نحو الديموقراطية » ، أطلق رجال ضياء الحق النار على متظاهرين مسالمين يوم عيد الاستقلال في باكستان . وقد تعاملت الشرطة بوحشية مشابهة مع المحتجّين على الهجوم الذي تعرّضت له سيارتي الجيب في كانون الثاني العام 1987 » .
واتجهت بينظير بوتو في المنفى إلى العمل السياسي وزراعة الأصدقاء في مفاصل الحياة السياسية الغربية ، في حين اتجه شقيقاها مرتضى بوتو وشاه نواز إلى العمل السري المقاوم للرئيس الراحل ضياء الحق، فشكلا منظمة ذو الفقار المسلحة ، وأقاما فترة في دمشق وتزوجا شقيقتين أفغانيتين هما فوزية وريحانة من سكان حي وزير أكبر خان الكابولي الراقي ، ثم طلقاهما ليعثر على شاه نواز العام 1984 مقتولا بظروف غامضة في شقته الباريسية ، وقيل حينها انه قتل مسموما على يد زوجته ، أما مرتضى الذي طلق زوجته الأفغانية التي أنجبت له فاطمة ، فتزوج في العام 1986 من اللبنانية غنوة عيتاوي مدربة الباليه سابقا ، وعاش فترة من حياته في دمشق.
لكن خطف الطائرة الباكستانية على يد منظمة ذو الفقار من لاهور إلى كابول في مارس 1981 ، ثم قتل ضابط باكستاني أتيا ليزيدا ويفاقما من العداوة المستحكمة بين المؤسسة العسكرية وآل بوتو وتحديدا الأولاد ، وظهر أن الشقيقين غرّان في السياسة ، فقد وقعا في فخ المعسكر السوفياتي ضد المعسكر الأمريكي ، الذي كان يقاوم بشراسة في أفغانستان آنذاك ، ووضع الشقيقان على قائمة المطلوبين الكبار لوكالة التحقيقات الفيدرالية الأمريكية ، فدفع مرتضى ثمن ذلك لاحقا بعدم الاعتراف به كوريث لإرث بوتو السياسي ، وهو ما انعكس أيضا على علاقة الأخ بأخته ، خصوصا بعد اقتران بينظير بزرداري المكروه من قبل مرتضى .
حينها ظهر بوضوح مقاومة بينظير للعسكر مقاومة سلمية هادئة بانتظار فرصة للدعم الغربي والأمريكي الذي كانت مصالحه متناغمة مع مصالح العسكر بسبب الحرب الباردة أو الساخنة على أرض أفغانستان ، ومتناقضة مع مصالح بوتو الراغبة في خلع العسكر ؛ لكن ذلك لم يحل دون سعيها الدؤوب الى تحين الفرصة ، التي جاءت بعد سنوات ، بينما مقاومة الشقيقين شاه نواز ومرتضى تلونت بلون المقاومة العسكرية العنفية.
دعم واشنطن
يتحدث كل من عرف بينظير بوتو عن أنها وافقت ودعمت سياسة واشنطن المؤيدة لضياء الحق في أفغانستان على مضض ، لاسيما أن الحزب الذي يعتمد على فقراء وفلاحي السند ، أقرب ما يكون إلى اليساري ، وأقرب ما يكون إلى السوفييت ، ولعل هذا ما يفسر توجه الشقيقين إلى العمل العنفي والإقامة في فلك الدول التي تدور في الفلك السوفياتي ؛ لكن بينظير أدركت أن لا مناص لها من دعم واشنطن في سياستها بأفغانستان ، لحصد ثمار ذلك لاحقا .
وفي مطلع العام 1986 اتضح لضياء الحق معالم خريطة المنطقة المستقبلية من الانسحاب السوفياتي من أفغانستان وبدء التنسيق الأمريكي ـ السوفياتي في ذلك ، وأدرك ايضا بحسه السياسي أن ذلك سينعكس على الداخل الباكستاني ، وهو الذي تابع عن كثب علاقات بوتو مع أركان السياسة الأمريكية ، وتحديدا مع الرئيس رونالد ريغان الشغوف بنقل التجارب الديمقراطية إلى الآخرين ، فما كان من ضياء الحق إلا أن سمح لبينظير بالعودة الى لاهور في أبريل 1986 وجاءت هذه العودة في الشهر الذي أعدم فيه والدها ، فاستقبلتها حشود ضخمة في المطار ، وكانت باكستان تستعد لانتخابات غير حزبية يعد لها الرئيس ضياء الحق ، ووعدت بينظير بخوضها ، وقالت حينها ان ضياء الحق لم يعلن عن موعدها إلا بعد تيقنه من زواجها وحملها بوليدها الأول لقناعته أن ذلك سيحد من إطلاق حملتها الانتخابية بسبب الحمل .
وبدأت مع هذا رحلة الاتهامات بينها وبين شقيقها مرتضى الذي اتهمها بأنها تعاونت مع قتلة والدها ذو الفقار علي بوتو ، وقربتهم إلى حزبها ، وأبعدت كل من كان يعادي العسكر ، وهو الثمن الذي دفعته لعودتها إلى البلد ، لكنها في المقابل حرصت على القول على استحياء بأن «الفيدرالية الباكستانية و الحكم العسكري كالنفط والماء لا يجتمعان ، ولكن مع هذه القوة العسكرية ، والثقافة السياسية الممتازة تقدمان أفضل ضمان لأمن البلد» . لكن الشقة اتسعت بين العسكر ومرتضى ، وواصلت بينظير حياتها السياسية بهدوء في أرض ملغمة ، وأرض عسكرية مشهود لها بكره آل بوتو ، إلى أن سمحت لاحقا بعودة شقيقها تحت ضغط والدتها في العام 1993 .
نسجت علاقات متميزة مع أعضاء الكونجرس ونجحت في ما فشل فيه والدها
آل بوتو والعسكر.. عداوة فاقمتها طائرة وضابطإصلاح قبلان - اسلام اباد
21 يناير 2008 - 20:34
|
آخر تحديث 21 يناير 2008 - 20:34
آل بوتو والعسكر.. عداوة فاقمتها طائرة وضابطإصلاح قبلان - اسلام اباد
تابع قناة عكاظ على الواتساب
إصلاح قبلان (اسلام اباد)