اكتشف أفلاطون منذ أكثر من ألفين وأربعمائة سنة أن هناك أربعة مذاقات أساسية في حس التذوق وهي: الحلاوة، والملوحة، والمرارة، والحموضة، وفى مطلع القرن العشرين اكتشف العالم الياباني «كيكوناي إيكيدا» مذاقاً أساسياً إضافياً وأسماه «أومامي»... على وزن «ياباني»... وهو أشبه باللحم المدخن... تخيل أن طعم ملايين الأطعمة التي نستمتع بها كلها مبنية على هذه الدعائم الخمس الأساسية... وأود أن أقترح... وبقوة... أن تكون هناك قاعدة سادسة أساسها طعم الفول المدمس... هذه البقول العجيبة لها طعم لا يضاهيه أي غذاء... ويضيف الكمون، وزيت الزيتون الفلسطيني بالذات، والسمن البري، والطحينة بشكل خاص، نكهات رائعة وكأنها من «عالم ثاني»... على وزن «أومامي»... الياباني... ما علينا، فالفول تاريخه عجيب فقد تم تهذيبه وتطويعه كمحصول غذائي أساسي منذ أكثر من أربعة آلاف سنة كالعديد من البقول... وأقدمها بالمناسبة هو العدس... وقد تمت زراعتها بنجاح أولا في الشرق الأوسط، وفى الواقع فالاسم العلمي لحبة الفول هو «فيكيا فابا» Vicia Fava على وزن «فول يا بابا» ومعناها مرتبط بالحبة القديمة... وعلى مر آلاف السنين، وفر الفول وجبات غنية بالبروتين والمكونات المفيدة الأخرى... من حديد وبوتاسيم ونحاس وسيلينيوم وألياف غذائية... ولكن هذا ليس مقال غزل في هذه البقول العجيبة لأن لها وللأسف بعض الجوانب الداكنة المزعجة... أولا هل تذكرون العالم الفيلسوف «فيثاغورس»؟ كان من طلاب «أفلاطون» المذكور في مطلع المقال، وهو صاحب أشهر مثلث في تاريخ البشرية... كان لهذا اليوناني الشهير مدرسة فكرية مميزة، وكانت لديه أسس لعضويتها ومنها الامتناع الكامل عن أكل الفول نظرا لاعتقاده أنه يؤثر تأثيرا سلبيا على الفكر... لاحظ أن الفول يتميز بين معظم أغذية العالم بأنه له «إيات» أو isms فلسفية وأهمها «الفولزم» أو «الفوليات»... نلقى اللوم على سلوكيات مجموعات بشرية بأكملها على «الفولزم» كظاهرة مناهضة للحضارة، وهناك أيضا مصطلح «المفوّل» كظاهرة لقافة فردية وكلاهما لم يأتيا من فراغ، وربما كانت مدرسة فيثاغورس مسؤولة عن ذلك، وبصراحة إحدى الأفكار التي تراودني فى مرحلة ما بعد التقاعد هي الاستثمار في محل فول مدمس باسم «فول فيثاغورس» ردعا لأمثاله الذين يطعنون في هذه النعمة الرائعة... ولكن لكي ننصف الموضوع فإن هناك مجموعات من البشر تصل إلى 20% من سكان أفريقيا وأكثر من 5% من سكان الشرق الأوسط ممن يعانون من حساسية شديدة من الفول، والموضوع باختصار يبدو أنه عدم قدرة خلاياهم على إنتاج إنزيمات معنية بهضم بعض مكوناته، وتحديدا انزيم يدعى «جلوكوز 6 فوسفات ديهادروجينيز» وهو على وزن «جيب ستة فول بدون مايونيز»... نقصها يؤدى إلى تضخم كريات الدم الحمراء إلى حد الانفجار، مما يتسبب في فقر الدم، بل وقد يتسبب في الوفاة... ولكن قبل التسرع في الحكم على الفول سلبا، إليكم إحدى روائعه: وجد بعض العلماء أنه يحتوى على مادة اسمها «ليفودوبا»..على وزن «ليه يا دبه»... وهذه المادة هي إحدى مكونات مجموعة أدوية توصف لمكافحة مرض الباركنسون الذي يصيب الجهاز العصبي لدى كبار السن...
* أمنيــــتان :
بما أننا توغلنا فى الجانب الفلسفي للفول، فلابد من الذكر هنا أن إحدى أشهر المقولات الفلسفية هي تلك التي تنسب إلى الفرنسي «رينيه ديكارت» وهي «كوجيتو إرجو صم» Cogito Ergo Sum ومعناها «أنا أفكر، إذا فأنا موجود» ويبدو أن هناك مقولة لبعض مدمنى الفول كالتالي «فوليتو إرجو صم» Folito Ergo Sum «أنا أفوّل إذا فأنا موجود»... أتمنى أن نتذكر دائما نعم الله علينا وما أكثرها ومنها الفول طبعا... وأتمنى أن لا نلومه على تقصيرنا وان كان لديك أدنى شك في تأثيره على القدرات الذهنية... زود الشطة والكمون.
والله من وراء القصد