«من ساواك بنفسه ما ظلمك»..
عبارة شائعة يكثر ترديد الناس لها كمسلمة دالة على العدالة والبعد عن الحيف والجور. للوهلة الأولى قد تبدو العبارة صادقة، إذ يتبادر إلى الذهن أن منتهى العدل معك أن تعامل (كالنفس). لكن هل هذا صحيح؟ هل حقاً أن العدل يتحقق بمجرد المساواة مع النفس؟
المساواة مع النفس تعني أن تكون النفس هي المعيار وهي المرجع الذي يتم به الحكم على الأشياء، فما استحسنته النفس، عدل منها أن تفرضه على الغير، وما استقبحته أيضاً عدل منها إن هي حرمتهم منه. فهل النفس معيار صحيح للحكم على الأشياء؟
ثم إن هذه النفس ليست واحدة وإنما هي نفوس ونفوس تتعدد أشكالها وتتفاوت أحكامها، فكيف يمكن لها أن تكون مرجعاً ومعياراً وأن تربط العدالة بالمساواة معها؟ لو أنها كانت نفساً واحدة لربما أمكن فهم ذلك أما والنفوس ليست واحدة فإن ربط العدالة بالمساواة بالنفس فيه نظر!
هل يكون عادلاً من أهدر حقه في شيء وساواك بنفسه فأهدر حقك فيه معه؟ وهل يكون عدلاً لو أن سباحاً ماهراً ألقى بنفسه في مسبح ضخم عميق البعد وألقى معه شخصاً لا يعرف العوم؟ ألا يبدو هنا الربط بين العدالة والمساواة بالنفس أقرب إلى الظلم منه إلى العدل؟ وماذا عن المعايير الأخرى التي يمكن أن ترتبط بها العدالة كالجدارة والحاجة والحقوق المشروعة؟ ألا يظهر في الاكتفاء بمجرد المساواة مع النفس جور وظلم في بعض المرات؟
أفلاطون في محاوراته في الجمهورية حول العدالة يستبعد المساواة تماماً من مفهومه للعدالة، هو يجعل (القدرة) أو (الجدارة) هي الأساس الذي يجب أن تبنى عليه العدالة، وفي رأيه طالما أن القدرات أو الجدارة تتفاوت فيما بين الناس فإنها تكون غير متساوية، وهو ما يعني، في رأيه، أنه لا مجال لإقحام المساواة في مسألة العدالة.

فاكس 4555382