في بلدة قناء أقدم قرى حائل من جهة الشمال كل شيء يرتدي عباءة التاريخ ويسترق النظر من «تلسكوب» الرمال الذهبية التي تحيط بهذه القرية الوادعة الاشجار المشرئبة في الشوارع والأزقة تذكرك بطقس لرواية صحراوية ورحالة حطوا عصا تسفارهم في واحة مسكونة بالريح وأغاني الشمال المترعة بالحنين الى الأرض ومجاهيل النفود الكبير. عندما دخلت ذات صباح بهي الى عتبات قناء تجسدت كامل معالمها في ذاكرتي فهي بلدة خجول غير ان شوارعها لا تكاد تخلو من السكان ورغم جذورها الضاربة في عمق التاريخ الا انها ما زالت تعيش ليالي شبابها وعنفوانها واستطاعت البلدة ان تمزج أصالة الماضي وتاريخه العريق بحضارة اليوم. تقع قناء شمالي مدينة حائل ويزيد سكانها عن 4000 نسمة فيما لا تتجاوز المساكن المأهولة 700 مسكن. ومن العجائب في هذه القرية التي دائما تدهش القادم اليها انك تراها قرية صغيرة واضحة المعالم ملمومة الأطراف محددة الاتساع لانها مشيدة على أحد قيعان النفود ولكن سرعان ما تكشف ان الصورة الملتقطة بعدسة العين للقرية من فوق كثبان الرمال ما هي الا مشهد لا يوضح الحقيقة حيث انك ما ان تطأ شوارعها حتى تشعر انك في موقع واسع و«براح» فتضيع خطواتك بين حواريها وأزقتها العامرة بحكايات التاريخ وملامحه فمدخل القرية المسفلت من مكان مرتفع ينزلق تدريجيا حتى يصل الى المباني المشيدة بالطين والحجارة.
أم البلدات
ولان قناء بلدة قديمة فقد تمخضت وولدت على مر العصور العديد من القرى المجاورة مثل قرية أم القلبان والتي يعود تسميتها الى وجود العديد من الآبار المطمورة بالرمال وقد اكتشف هذه الآبار نوفل القضيعي رحمه الله وكذلك مدينة جبة التي انبثقت عن قرية قناء ولكن بمرور السنين اصبحت جبة مدينة تعج بالحياة فيما لا زالت قناء غارقة وتتأمل التاريخ من قاع النفود الكبير.
عروس الشعر
على مر العصور تغنى العديد من الشعراء بجمال وهدوء قرية قناء وأصبحت الأشعار المكتوبة فيها بمثابة اشعار يتغزل بها اهلها، ومن الشعراء الذين تغزلوا فيها الشاعر عجلان بن رمال وردهان بن عنقاء والشاعر الفلسطيني عبدالرحمن الدوخ ولم يقف الشعر فقط عند باب قناء بل ان الكثير من المؤرخين تناولوها في كتاباتهم بين وصف اهلها تارة وخصوبة أراضيها وجمال طبيعتها ومن الرحالة الذين كتبوا عن القرية الرحالة الانجليزية «آن بلنت» قبل أكثر من مائة عام، وفي كتابها «رحلة الى بلاد نجد» وصفت الرحالة جمال قناء وسكونها الرائع في الليالي الحالمة ومن عجائب هذه البلدة طقسها البارد حتى في شهور الصيف.
دار القويع
من أجل الاستزادة ومعرفة الكثير عن هذه القرية التقينا برئيس مركزها مذود بن عيادة العبيكة الذي أوضح ان قناء تعد من أقدم قرى حائل من جهة الشمال وقد مرت عليها احداث تاريخية كثيرة وهي تحتضن دار «القويع» وهي تصغير قاع وهو المكان الذي تقع فيه، وكذلك قصر ابن عبيكة امير القرية آنذاك ويطلق عليه الآن قصر الغزالة ودار الصالحية غربي القرية وهذه يزيد عمرها عن مائة عام، وهي مشيدة بالحجارة التي جلبت من مناطق بعيدة في وقت كان يصعب فيه السير على الاقدام فكيف بنقل الحجارة وجلبها ولكن الاصرار والعزيمة في تلك الأجيال هي التي صنعت تلك المعالم التاريخية.
ومن المواقع التاريخية ايضا قصر ومسجد دلهة التاريخي الذي يخص الأمير فيروز القفيعي أمير قناء من عام1340هـ وحتى وفاته عام 1359هـ كما ان أول جامع بني في قناء هو جامع العبيكة وكان امامه الشيخ عبدالكريم العبيداء وذلك قبل أكثر من مائة عام.
وفي ذات السياق قال الشيخ خالد القفيعي ان عراقة القرية غنية عن التعريف كما انها شهدت الكثير من قصص أهل النفود وبطولاتهم وسيرهم واضاف ان أهالي القرية عاشوا ردحا من الزمن وهم يستخدمون سيارتين فقط في حلهم وترحالهم وكان ذلك في العام 1377هـ وكانت احدى السيارتين موديل 52 وهي تعود لسعود الدهام رحمه الله وكان يلقبون هذه السيارة باسم «العلياء» أما السيارة الاخرى فكانت موديل 56 وتسمى «طلفيح».
واضاف ان صورة السيارتين لا تنسى من الذاكرة وقد أصبحتا جزءا من المكان أيضا. واستطرد ما يفسد هدوء القرية في أيام الوسمي توافد الكثير من الشباب لـ«التطعيس» فوق الكثبان الرملية.
ومن جانبه اوضح عبدالعزيز الخشرم من الأعيان ان قبيلة «الهلالات» المعروفة في التاريخ العربي مرت عبر قناء في القرن الرابع الهجري ما يؤكد وجود حياة وحضارة في هذا المكان منذ قرون بعيدة. واضاف ان القرية تتضمن العديد من المواقع التاريخية التي لا زالت تحافظ على رونقها وبهائها. وهي تربط الاجيال الحاضرة بماضي الآباء.
وفي ذات السياق قال عيد الدهام من الاهالي ان الآباء كانوا يرون سفوح جبال أجا الشاهقة من القرية ولكن عوامل الطبيعة اوجدت حاجزاً من الرمال بين أجا والقرية. واضاف أن تكوينات الكثبان الرملية الحديثة التي تحيط بالقرية ربما تفيد علماء الجيولوجيا لمعرفة اسباب عوامل التعرية ودراسة المدة الزمنية التي تنتقل فيها الرمال من مكان الى آخر.
موقع سياحي
وعبر عيد الخضر عن رغبة اهالي القرية بتحويلها الى مكان سياحي لان كافة مقومات الجذب متوفرة بها من قصور تاريخية ومبان قديمة وازقة ضاربة في عمق التاريخ. وتابع ان كل المقومات متوفرة ولكن ينقصها التمويل لتكون قناء دوحة سياحية غناء وفي ذات السياق اوضح حزوم الحمود احد الاهالي ان المياه في القرية اصبحت تغور الى مسافات بعيدة سنة بعد الاخرى حيث اصبح الحفر يصل الى عمق 60 متراً من اجل الوصول الى الماء ولكن قبل 30 عاماً كان الحفر يصل الى عمق من 4 - 6 امتار فقط. وتابع ان جفاف الآبار اوشح مياهها يؤدي الى موت المزارع وربما اذا استمر الحال كما هو ربما يهجر الاهالي القرية ويتركوا وراءهم تاريخاً يمتد لاكثر من الف عام.
تودع قناء أو أم البلدات وتشعر أن هناك خيطا من الماضي يربطك بها. فتلقى وداعية أخيرة على هامات النخيل والقصور الحجرية وتتمنى ان تعود اليها يوما ما لاستعادة ذكرى وجوه طيبة تختزن ماضيا تليدا وكرم ضيافة وسخاء في المشاعر لم تبدلها رياح العصر الراهن.
معشوقة الرحالة مطوقة برمال النفود
قناء.. أم البلدات تقاوم الاندثار
8 نوفمبر 2007 - 21:11
|
آخر تحديث 8 نوفمبر 2007 - 21:11
قناء.. أم البلدات تقاوم الاندثار
تابع قناة عكاظ على الواتساب
رشيد الجار الله (حائل)تصوير: راشد الثويني