لست مغرما باكتشاف المجهول او السفر في الامكنة البعيدة عن ضجيج الحياة غير ان فضولي في ذلك الضحى المغسول بوهج الصيف حرك في دواخلي سيمفونية الفضول لاكتشاف مجاهل جبل «عكوة» واقامة حوار مع حجارة تحاكي سيناريوهات لاماكنه المتسربلة بالعبق القديم. كانت انطلاقتي الى الجبل مع رهط من الاصدقاء بعضهم يعرف مجاهل تلك المنطقة واخرون مثلي يكتشفون لاول مرة ابتسامة الدهشة عن ذلك الجبل البركاني.
الجبل المنسي شامخ يعرفه الجميع في المنطقة الجنوبية وهو يقع على الطريق الدائري شمالي محافظة ضمد بحوالي 30 كلم ويعتبر من اكبر واشهر الجبال البركانية في المنطقة وسبق وان تعرض له الكتاب والشعراء في كتاباتهم وشعرهم ومنهم الشاعر الأديب والمؤرخ الراحل محمد العقيلي الذي اعد كتيبا عن الجبل عندما قام بزيارته. حسن حبيبي احد المهتمين بالتاريخ والامكنة تحدث عن الجبل قائلا: الزائر الى جبل عكوة ومحيطه لا بد ان يحدق بنظره حول الموقع البركاني ويتصور الحقب التي مرت بهذا الجبل. ويضيف: عند صعود الزائر الى الجبل لا بد ان يأخذ الحيطة والحذر خوفا من الانزلاق في الهاوية التي تصل الى 500 متر تقريبا. ومن الامور التي تجعل الانسان الذي يحاول الصعود الى الجبل يرتجف من الخوف هو ان الجبل يتكون من حجارة بركانية صغيرة غير متماسكة وحدث كثيراً ان صعد البعض ولم يتمكنوا من النزول مرة اخرى الا بواسطة الدفاع المدني.
قمة الجبل
ويضيف حبيبي ان في قمة الجبل اثارا قديمة تدل على وجود حياة بشرية في حقب قديمة كما ان هناك اثاراً لبركة لحفظ المياة بطول 8 أمتار وعرض 4 أمتار تتجمع فيها مياه الامطار علاوة على منازل اندثرت وبقايا اوان فخارية ما زالت باقيةحتى الان كما ان بين الاحجار اساسات مبان قديمة بعرض 700 سم مثبتة بالجير ما يثبت وجود حضارات سادت ثم بادت في هذا المكان الى جانب وجود مدرجات زراعية ومساق لتحويل الماء من البركة الى المدرجات.
وفي ذات السياق قال احمد محرق من سكان المنطقة ان بركان عكوة كان ناشطا في العصر الثلاثي وبداية العصر الرباعي حسب ماورد في كتب التاريخ القديم.
واضاف ان هذا الجبل من معالم المنطقة الجنوبية وفي حاجة ماسة الى جمع المعلومات التاريخية عند تعريفها الاجيال الحاضرة واللاحقة وتابع ان جبل عكوة بمثابة الجبل المنسي بالرغم من الزيارات المتكررة التي تقوم بها الجهات المعنية بالآثار في المنطقة.
واستطرد ان ايدي العابثين بدأت تتسلل الى الجبل ما ادى الى اندثار بعض الاثار منه.
حدوة الفرس
ويقول محمد ابراهيم حيدر ان الزائر الى الجبل يلاحظ ان واجهته الجنوبية تتخذ شكل حدوة الفرس او القوس.
واضاف ان الصخور التي يتكون منها الجبل عبارة عن حجارة اسمنتية وبازلتية وصخور لونها اخضر، اضافة الى وجود شلالات تزيد من بهاء المكان.
كهوف الجبل
يطلق على جبل عكوة بركان عكوة وانت تسير على قمته تشاهد الكهوف المنتشرة على جوانبه وهناك كهف بعمق تسعة امتار وهو مظلم ويضيق من الداخل.
وتابع حيدر ان الجبلين المقابلين للعكوة يطلق عليهما عكوة الشمالية وعكوة الجنوبية وكلها جبال بركانية خامدة.
وفي ذات السياق قال احمد موسى علي بشير ان الحمم المتجمدة على مسافات كبيرة تشير الى ان ثورة البركان تمت في عصور سحيقة واثار الحمم تبدو ظاهرة للعيان من الناحية الجنوبية.
في قمة الجبل تلتقي بالكثير مثلك من الباحثين عن جماليات الامكنة ومن هؤلاء عبدالله حيدر وفهد سعيد ومحمد عبدالله مطهري ومحمد علي معافا.
بعضهم ينشد الشعر وآخرون يتمتعون بالمشهد الخلاب واشعة الشمس تغادر نحو المغيب وتترك رنة حزينة على فوهات الكهوف المظلمة.
لمحة تاريخية
كشف الباحث الاثري السعودي فيصل بن علي الطميحي مدير الآثار والمتاحف في منطقة جازان الموقع الأثري والتاريخي المسمى (الزرائب) الذي ورد ذكره في حوادث القرن الخامس الهجري في كتاب (المفيد في اخبار صنعاء وزبيد) للمؤلف عمارة الحكمي المتوفى سنة 596هـ.
كان الباحثون في تاريخ وآثار المنطقة يعتقدون ان الزرائب من المواقع التي درست وما عادت معروفة وانها اضمحلت مثل كثير من المواقع الأثرية والتاريخية وقد ارتبط ذكر الموقع في كتاب عمارة باسم جبل عكوة وكان الاعتقاد ان جبل عكوة هذا هو احد جبلين يطلق على كل منهما جبل عكوة بالقرب من جخيرة التي لا تبعد عن مدينة صبيا سوى كيلو مترات معدودة والى الشرق منها وكان الاعتقاد ان موقع الزرائب فوق واحد منهما لكن عدم توافق الوصف الوارد في كتاب عمارة مع العكوتين المعروفتين حاليا ولا مع الشواهد الاثرية الفقيرة التي وجدت فوق احدهما اثار لدى الطميحي تساؤلات عدة حول ما اذا كان هناك مكان آخر يطلق عليه (العكوتان) وبالفعل وبعد البحث والتقصي والقيام ببعض الرحلات الميدانية في طول المنطقة وعرضها تبين ان هناك مكانا آخر يدعى (العكوتان) وهما جبلان ايضا احدهما يقع عليه مكان يطلق عليه الزرائب والمكان هذا يكاد منسيا وما عاد معروفا الا لدى فئة قليلة من الناس وتحديداً كبار السن.
بعد زيارة المكان ودراسته واجراء بعض التحقيقات وبعض المقارنات تبين بما لا يدع مجالا للشك ان الموقع هو موقع الزرائب الذي ورد ذكره في كتاب عمارة، هذا المكان يقع في جبال مصيدة التي تتبع محافظة الداير ببني مالك والى الغرب منها وقد وقعت عند هذا المكان معركة فاصلة في تاريخ المنطقة بين ابن طرف حاكم مخلاف عثر انذاك وبين الملك علي الصليحي مؤسس الدولة الصليحية في اليمن وانتهت المعركة بهزيمة جيش ابن طرف الذي نجا منه نحو الف جندي لجأوا الى عمارة الحكمي الذي اجارهم في حصنه الواقع في مدينة الزرائب وقد عرفت هذه المعركة في التاريخ باسم معركة الزرائب.