يقول بعض النقاد إن الذين يهاجمون الليبرالية والذين يدعون الانتساب إليها، كلاهما لا يدركون المعنى الحقيقي لها، وأن كلا منهما يحمل في طيات نفسه مفهوما خاصا به لليبرالية، وبحسب ذلك المفهوم يكون هجومه عليها أو دفاعه عنها!!
ولوجه الحق فإن لفظ الليبرالية ليس هو اللفظ الوحيد الذي يشيع بين الناس ويتردد ذكره على ألسنتهم دون أن يكون بينهم إجماع على معنى موحد له، هناك ألفاظ كثيرة مشابهة، تشيع على ألسنة الناس ويرن صداها في آذانهم دون أن يكون لها عندهم مفهوم موحد، مثل مفردات الحرية والديموقراطية والقومية وغيرها من المفردات الزاهية التي يغرم بعض الناس بالتزين بها، ويغرم بعضهم الآخر بمهاجمتها، بينما هم في حقيقة أمرهم غير متفقين على مفهوم واحد لها يجمع بينهم.
لو أخذنا لفظ الحرية الذي هو أقرب ما يكون للفظ الليبرالية نجده، حتى وإن كان لفظا عربيا فصيحا يتوقع أن يفهم معناه كل عربي، على خلاف لفظ الليبرالية المنقول عن لغة أجنبية يجهلها كثير من الناس، إلا أننا نجده مشوبا بكثير من الغموض، ونجد الناس مختلفين فيما بينهم حول مفهومه كاختلافهم حول مفهوم الليبرالية ولا فرق!!
من هو الإنسان الحر؟ بل هل يمكن أن يوجد إنسان حر في هذه الدنيا؟ أليس كل مخلوق مقيدا بقيود متعددة مستلة من فطرته وعقله وقدراته البدنية وأطماعه ومخاوفه، ناهيك عن قيود الدين والأخلاق والقوانين والأنظمة الاجتماعية، التي لابد من الخضوع لها، فأين الحرية في وسط هذا كله؟
حين نقول حرية، ما الذي نعنيه بالضبط، هل نحن نتحدث عن حرية الحركة؟ أم حرية التفكير؟ أم حرية التعبير؟ أم حرية الإرادة؟، أم كل ذلك؟ وهل يمكن أن تتحقق الحرية بواحد منها فقط؟ مثلا هل يمكن للمرء أن يعد نفسه حرا متى ملك حرية الحركة حتى وإن كانت إرادته وتفكيره مقيدين؟ أو العكس؟ هل يعد حرا من يتنقل طليقا بلا قيد حتى وإن لم يستطع أن يفصح عما في خاطره من الأفكار أو الرغبات، وامتنع عليه التصريح بما يريد وما يراه حقا أو ظلما أو ضلالا؟
هناك قيود كثيرة تسلب الحرية من الإرادة والتفكير والتعبير، كالخوف وفقد الثقة بالذات وتقديس الرموز وتنزيههم والسير في ركابهم، وهي قيود تتسلل إلى داخل النفس خلسة بلا ضجيج، فيقع الإنسان في أسرها وما درى.
أخيرا، ماذا يكون الموقف متى تصارعت الأفكار بين البشر؟ وبدا بعضها متعارضا مع بعضه الآخر؟ هل يمكن تحديد أيها الصواب وأيها الباطل؟ ومن الذي له الحق في تحديد ذلك؟.

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة