طيبة في صورتين من أيام شبابه.
طيبة في صورتين من أيام شبابه.




طيبة والدكتور غازي القصيبي خلال افتتاح الأمير عبدالمحسن بن جلوي محطة كهرباء غزلان عام 1980م.
طيبة والدكتور غازي القصيبي خلال افتتاح الأمير عبدالمحسن بن جلوي محطة كهرباء غزلان عام 1980م.




الملك خالد (رحمه الله) يتوسط غازي القصيبي وطيبة سنة 1980م.
الملك خالد (رحمه الله) يتوسط غازي القصيبي وطيبة سنة 1980م.




طيبة الثالث من اليمين مع زملائه من بعثة أرامكو أمام البيت الأبيض.
طيبة الثالث من اليمين مع زملائه من بعثة أرامكو أمام البيت الأبيض.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني abu_taymour@
من رجالات المملكة العربية السعودية الذين تركوا خلفهم سيرة عبقة ملأت الزمان والمكان بأريج الوطنية والنزاهة والوفاء، وإنجازات وقف لها الجميع إجلالا وتقديرا، وتراثا من الكفاح والدأب والسعي لخدمة الوطن والمجتمع، ابن مكة المكرمة المهندس محمود طيبة، الرجل الذي له من اسمه أوفر نصيب، والشخصية التي عـُرفتْ عند الناس بـ«أبو الكهرباء» لدوره المشهود وكفاءته المهنية في نشر ضياء الكهرباء على امتداد وطنه الشاسع من موقعه الوظيفي كمحافظ للمؤسسة العامة للكهرباء، قبل أن يتسنم أعباء ومسؤوليات أخرى أبلى في جميعها بلاء حسنا، حتى عُدّ بطلا من أبطال التنمية ونموذجا للجودة والإجادة ومرآة للأمانة ونظافة الكف ونكران الذات وصاحب بصمات خالدة في الصناعة والتجارة والشورى والعمل الخيري.

كتب عنه عبده الأسمر في صحيفة الجزيرة (29/‏‏3/‏‏2021) تحت عنوان «المحافظ الأمين والمهندس المكين» فقال: إنه «كتب متون الإنسانية، وأسس شؤون الهندسة، وأشعل ضياء الكهرباء في ظلام البدائية، ووضع إمضاء الاقتداء في مهام الاحترافية.. ليكون فاعلاً مرفوعاً بالهمة، وضميراً متصلاً تقديره هو، مكوناً جملته الاسمية من مبتدأ الوفاء ومن خبر الاستيفاء، مشكلاً دوائر المهنية من نقطة ارتكاز الأمانة، وراسماً أبعاد الأثر وأضلاع التأثير على زوايا قائمة على الذمة، ومتعامدة على القمة، ومنفرجة أمام العرفان، وحادة نحو النكران». ورثاه أستاذنا محمد بن عبدالرزاق القشعمي بمقال في «عكاظ» (28/‏‏7/‏‏2008)، وصفه فيه بـالرجل المخلص، المتواضع، العاشق لوطنه، المحب للخير وأهله، المعروف بسمو الخلق ونكران الذات والعمل الصامت والبعد عن الأضواء.


مدرسة الفلاح

أبصر محمود بن عبدالله بن عبدالقادر طيبة النور بالعاصمة المقدسة، مكة، في التاسع من رمضان 1348 للهجرة المصادف للثامن من فبراير 1930، ونشأ في أحضان شعب عامر والمعيصم وأجياد، متنفسا أريج البيت العتيق، محلقا مع صدى أذان المسجد الحرام، مرتويا من بئر زمزم، ما جعله منذ صغره مسكونا بالوداعة والطمأنينة والطيبة ومجبولا على الصدق والتقوى والاستقامة في القول والعمل. كان ميلاده في عائلة مكية معروفة من عائلات حارة أجياد، وكانت تربيته على يد أب حكيم وأم حنونة ووسط أعمام وأخوال من ذوي المناقب الفاضلة، الأمر الذي أكسبه المزيد من السكينة وسمو النفس وكرم الأخلاق.

وكغيره من أطفال تلك الحقبة من تاريخ الحجاز، بدأ خطواته الدراسية الأولى بالالتحاق بمدرسة الفلاح التي كان قد أسسها تاجر اللؤلؤ الحجازي الشيخ محمد علي زينل في مكة سنة 1912 بعد ست سنوات من تأسيسه لمثيلها بجدة. وبمجرد إنهاء دراسته بهذه المدرسة، التحق بالثانوية الوحيدة بمكة آنذاك ممثلة بمدرسة تحضير البعثات، وكانت وقتها تحت إدارة الأديب ورجل التربية المعروف الأستاذ عبدالله أحمد عبدالجبار. حصوله على شهادة الثانوية العامة مهد له الطريق للعمل موظفا بوزارة المالية، حيث سرعان ما اكتشف رؤساؤه أنهم أمام موظف نابغ وحريص على الاستزادة المعرفية، فقرروا في عام 1949 إرساله إلى مصر على نفقة الدولة لإكمال تعليمه.

البعثات السعودية بمصر

في القاهرة حظي برعاية واهتمام مديره في المرحلة الثانوية الأستاذ عبدالله عبدالجبار، الذي كان قد سبقه إلى هناك للعمل مشرفا على طلبة البعثات السعودية بمصر، وزامل ثلة من مواطنيه المبتعثين من أمثال أحمد زكي يماني وإبراهيم العنقري وعبدالله الحبابي وعبدالوهاب عبدالواسع وعبدالله المنيعي وعباس حداوي وغيرهم، لكنه تميز عنهم بتخصصه. فعلى حين درس معظم زملائه في كليات جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) الأدبية، التحق هو بكلية الهندسة التي تخرج منها عام 1956م.

في أعقاب تخرجه من جامعته المصرية عاد إلى وطنه حاملا درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية، وتجربة سنوات من الاغتراب والاعتماد على النفس معطوفة على حصيلة من المعلومات والثقافات التي غرفها من أجواء مصر الكوزموبوليتانية المنفتحة ومناهلها المعرفية العديدة، ليبدأ مشواره العملي، وقد دخل تاريخ وطنه كأول مواطن سعودي متخصص في الهندسة الكهربائية.

التجربة الحكومية

وتشاء الأقدار في هذه الفترة (عام 1962) أن تشكل حكومة جديدة ويعهد بحقيبة التجارة فيها إلى الشيخ أحمد صلاح جمجوم الذي رغب في تطعيم وزارته بكفاءة وطنية مؤهلة تأهيلا عاليا وتملك سجلا ناصعا في الأداء، من أجل الإمساك بشؤون الكهرباء التي كانت وقتذاك ضمن مسؤوليات وزارة التجارة، فكان أن عرض جمجوم على طيبة الالتحاق بوزارته، فوافق الأخير. وبهذا ودع صاحبنا الظهران وانتقل إلى الرياض، تاركا خلفه أغلى الذكريات وأجمل حكايات سنوات كفاحه الأولى في ميدان العمل.

في الرياض تسلم طيبة مهام منصب مدير عام الشؤون الصناعية بوزارة التجارة، فصار بصفته تلك مسؤولا عن الترخيص للشركات والمصانع التي لها علاقة بالكهرباء، في وقت كانت الكهرباء فيه لا تغطي مساحة المملكة الشاسعة. كما تولى علاوة على ذلك منصب مدير هيئة الأبحاث في الوزارة التي استحدثت بناء على توصية من هيئة الأمم المتحدة. ومن خلال مهامه هذه أتيحت له الفرصة لتفقد مناطق ومدن سعودية مختلفة للوقوف على أوضاع الكهرباء فيها، برفقة وكيل وزارة التجارة آنذاك الشيخ عابد شيخ الذي سرعان ما خلف جمجوم في حمل حقيبة التجارة، وتحديدا في نوفمبر 1962م.

العمل مع القصيبي

كان عمله بوزارة التجارة، على نحو ما فصلناه، بداية لرحلة طويلة استمرت نحو أربعة عقود تنقل خلالها في العديد من المواقع القيادية والوظائف والمسؤوليات الحكومية المتقدمة. فحينما تم إلغاء وزارة التجارة وصدر أمر ملكي بتغييرها إلى وزارة الصناعة والكهرباء عام 1975 وتعيين الدكتور غازي القصيبي على رأسها، خدم طيبة تحت قيادة الأخير كوكيل للوزارة لشؤون الكهرباء، ثم تمّ تعيينه محافظا للمؤسسة العامة للكهرباء ثم تولى رئاسة مجلس إدارة الشركة العربية الموحدة للكهرباء في المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية، كما ترأس بعض الشركات واللجان مثل رئاسته لمجلس إدارة الشركة السعودية للأسمدة (سافكو) بالدمام، وعمله نائبا لرئيس مجلس إدارة جمعية رعاية الأطفال المعوقين، وعضويته في مجالس إدارات ‏الخطوط الجوية السعودية ومؤسسة الخطوط الحديدية السعودية، ومؤسسة بترومين، وهيئة المواصفات والمقاييس، والمؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق. وفي عام 1997 تمّ اختياره ليكون ضمن أعضاء مجلس الشورى بموجب مرسوم ملكي، فعمل كعادته بدأب وإخلاص وترفع وأثبت أن اختيار المقام السامي له في موقعه الشوري كان في مكانه. وفي أبريل سنة 2005 وقع اختيار الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله) عليه ليكون نائبا لرئيس مجلس الشورى.

أمانة ونزاهة طيبة

ومن القصص المتداولة عنه ما ذكره وزيره الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) في كتابه الشهير «حياة في الإدارة»، وهي قصة تعكس قمة أمانة ونزاهة المسؤول الحكومي، وملخصها أن طيبة حينما كان محافظا للمؤسسة العامة للكهرباء ووكيلاً لشؤون الكهرباء بوزارة الصناعة والكهرباء، تمت الموافقة على تكليف أربع دول ببناء أربعة مشروعات ضخمة للكهرباء، كان من بينها كوريا الجنوبية. وقتها زار الرجل، ضمن وفد فني، الدول الأربع للتفاوض حول الأمور التفصيلية. المفاجأة حدثت بعد ذلك حينما كان طيبة يقضي إحدى إجازاته في لندن، حيث لحق به أحد مسؤولي الشركة الكورية، مقدما له رشوة بمبلغ 50 ألف جنيه إسترليني نقدا بهدف التساهل مع شركته وقت تنفيذ المشروع، فاعتذر طيبة متعللا بصعوبة حمل مثل ذلك المبلغ الكبير وإخراجه من بريطانيا، ووعده بالاتصال به لاحقا حينما يعود إلى الرياض. وبالفعل قام طيبة بمجرد العودة للمملكة بالاتصال بالمسؤول الكوري وطلب منه زيادة مبلغ الرشوة إلى مليون ريال من باب طمأنته. في الوقت نفسه قام طيبة بإحاطة الوزير القصيبي بالموضوع، فقام الأخير بدوره بإحاطة وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبدالعزيز، وولي العهد وقتذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز، وتم الاتفاق على عمل كمين للمسؤول الكوري. وهكذا تم خلال 24 ساعة إيقاف جميع موظفي ‏الشركة الكورية المتورطة في جريمة الرشوة، في جميع أنحاء المملكة. ما حدث بعد ذلك أن المغفور له الملك خالد (طيب الله ثراه) أمر على وجه السرعة بمنح المهندس محمود طيبة وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، كما أمر أن يكافأ بمبلغ المليون ريال المصادر تقديرا لأمانته ونزاهته، خصوصا بعدما نما إلى سمع الملك وولي عهده أن طيبة، الذي عف عن رشوة المليون ريال، يسكن في بيت مستأجر.

إلى ذلك، هناك قصة تعكس بوضوح، مدى تفاني الرجل في القيام بأعباء مسؤولياته، سردها زميله الشوري السابق يوسف الميمني ومفادها أنه رأى طيبة ذات مرة في مطار جدة منهكا، فلما استفسر عن حالة الإعياء تلك أخبره أن عطلاً أصاب بعض مولدات الكهرباء في جدة وأن العطل يتوسع ما دعاه أن يطير على وجه السرعة من الرياض إلى جدة في يوم إجازته الأسبوعية ليشرف بنفسه طيلة يومي الخميس والجمعة على إصلاح الأعطال وحل الإشكال ليعود التيار إلى المواطنين وليعود هو لإتمام أعماله واجتماعاته المجدولة في الرياض قبل انتهاء الإجازة الأسبوعية.

التجربة الشورية

أما ما روي عنه إبان فترة عمله بمجلس الشورى، عضوا ونائبا للرئيس، فكثير، وكله إشادة بمناقبه وتواضعه وإخلاصه وصراحته وجهده في تقريب وجهات النظر بين زملائه المختلفين ومداخلاته النوعية لصالح الشباب والمرأة والإصلاح الاجتماعي، ناهيك عن مثابرته في سد الفجوة بين المجلس والمواطن. إذ كان مؤمنا أن المجلس يقوم بدور مميز في مجالي الرقابة وصناعة القرار وإبداء الملاحظات والمرئيات ومناقشة التقارير السنوية للوزارات والمؤسسات الحكومية بدقة وفي حدود صلاحياته، بينما المواطن ورجل الشارع يعتقد أن للمجلس سلطة تنفيذية يستطيع من خلالها حل كل مشاكله، وأن ردم هذه الفجوة يستدعي زيادة صلاحيات المجلس التي يجب العمل عليها بالتدريج وبتوعية المواطن.

الجانب الآخر من شخصية طيبة الآسرة هو اهتمامه وولعه بالأعمال الخيرية داخل بلاده وخارجها، وأنشطته التطوعية في رعاية الأيتام والعناية بذوي الاحتياجات الخاصة، والتي كان يتجنب الحديث عنها. فقد عمل نائبًا لرئيس مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين لمدة ‏عشر ‏سنوات، كما عمل في مجال رعاية الأيتام لمدة 18 عاما تولى خلالها رئاسة مجلس إدارة الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام ‏بمكة ‏المكرمة والمدينة المنورة والطائف المعروفة بـ«جمعية أبنائنا»، ورئاسة مجلس إدارة مؤسسة ‏الحرمين ‏والمسجد الأقصى‏ الخيرية التي كانت ترعى مشروعين لرعاية الأيتام ‏في ‏باكستان وسراييفو، كما تولى الإشراف المباشر على مشروعات ‏قرى ‏الأيتام المعروفة باسم ‏(SOS) في المدينة المنورة، وكان هناك تخطيط ‏لإنشاء ‏قريتين أخريين واحدة للبنات والأخرى للبنين بمكة المكرمة، بتبرع كريم ‏من رجل ‏أعمال سعودي بمبلغ (100) مليون ريال. وخلال رئاسته لجمعية أبنائنا نالت الجمعية جائزة البنك الإسلامي للتنمية من بين جمعيات منتمية لـ56 دولة، وتسلم طيبة الجائزة من يد الملك عبدالله بن عبدالعزيز (طيب الله ثراه).

إضافة إلى وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة، نال طيبة أوسمة وتكريمات أخرى من عدد من الدول الأجنبية منها: وسام «فارس أعظم» من باكستان، ووسام «النجم الساطع» من جمهورية الصين الوطنية، ووسام «الجمهورية التونسية» من الدرجة الأولى، ومفتاح مدينة تايبيه من عمدتها.

في مساء يوم الأربعاء الموافق 13/‏‏7/‏‏1429 للهجرة الموافق للسابع عشر من يوليو 2008م، وداخل مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، توفي محمود طيبة، فصلي عليه بعد صلاة عصر اليوم التالي بالمسجد الحرام ووري جثمانه الثرى بمقابر المعلاة بمكة. وبعد وفاته توجهت عائلته برجاء إلى محبيه بألا ينشروا تعازيهم في الصحف وأن يتبرعوا بقيمتها للجمعيات الخيرية بناء على توصية الفقيد. وبهذا انطوت صفحة رجل فاضل مخلص أمين من رجالات المملكة العربية السعودية ظل يعمل إلى آخر نفس من أنفاسه بدليل أنه شوهد أثناء الخطاب السنوي للملك عبدالله (رحمه الله) في عام وفاته، وهو يمارس عمله بكل ما أوتي من قوة، بالرغم من بلوغه 81 عاما وتمكن مرض السرطان منه.

إداري محنك

في كل المواقع التي شغلها الرجل دون استثناء برع كإداري محنك، على الرغم من دراسته العلمية، واشتهر بعشقه للبذل وتكريس قيمة العمل في نفوس مرؤوسيه، ومحاربته للبيروقراطية الحكومية، ومقاومته لمظاهر التسيب والتراخي والمحسوبية والفساد والأساليب الملتوية، وترسيخه لمبدأ العلاقات الأخوية بين الرئيس والمرؤوس.

ولعل أكثر مآثره ذكرا ما صنعه لبلده ولمواطنيه إبان توليه مسؤوليات الكهرباء، وهو ما جعل المهندس علي البراك الرئيس التنفيذي الأسبق للشركة السعودية للكهرباء يطلق عليه لقب «أبو الكهرباء» في السعودية. وكتب الزميل منصور العساف بجريدة الرياض (23 / ‏‏‏2 / ‏‏‏2018): «عاصر قطاع الكهرباء منذ بدايته ولما كانت الكهرباء مولدات صغيرة متناثرة في المدن ‏تعمل لساعات محدودة، كما كانت من الكماليات أن تضيء مصباحاً في ‏المساء، أو تستخدم مروحة في حر الصيف، أو أن تقتني ثلاجة صغيرة، وهو ما لم يكن يقدر عليه إلا القليلون،‏ كانت الحكومة وقتئذ تعطي الفرصة للمواطنين باجتهاداتهم الفردية، لإقامة محطات كهرباء متواضعة في بلداتهم، إلا أنها تدخلت فيما بعد وأسست ‏شركة مساهمة للكهرباء وعينت المهندس محمود طيبة كأول محافظ لها، بعد أن كان ‏وكيلاً لشؤون الكهرباء بوزارة الصناعة والكهرباء، فشارك في تطوير الخدمة، من ‏مواقع قيادية حتى أصبحت الكهرباء اليوم أهم المعالم الحضارية في المملكة». وأضاف قائلا: «عمل على توسيع التغطية الكهربائية في ربوع المملكة، رفض الظهور والإعلام والعمل تحت الأضواء، عمل بصمت وأمانة، ورفض الدنيا حينما تقدمت له (تجر أذيالها)، وله في ذلك قصص مشهورة، وأخبار مأثورة، رواها عنه زملاء المهنة، ورفقاء المرحلة، عاش نزيهاً أميناً صادقاً محبوباً من الجميع، فرؤساؤه يوقرونه، ومرؤوسوه يحبونه، ومراجعو مكتبه يثقون به ويستأمنونه، وهو من بينهم محبوب مرغوب صادق صدوق».

الالتحاق بأرامكو

كانت البداية مع شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو)، التي التحق للعمل بها في مقرها الرئيسي بمدينة الظهران. كانت أرامكو وقتذاك (عام 1956م) شركة يسيطر الأمريكيون على مفاصلها ويشغلون جل مراكزها الوظيفية المتقدمة، لذا كان التحاق طيبة بها في ذلك الوقت المبكر من نشاطها عنصر تحول سوف يمتد أثره إلى غيره من المواطنين.

تنقل الرجل في وظائف وأقسام هندسية مختلفة في هذه الشركة النفطية الرائدة على مدى ثلاث سنوات متواصلة إلى أن جاء العام 1959 الذي تقرر فيه مكافأته على بذله وعطائه وحسن أدائه وحرصه على تطوير ذاته. ولم تكن المكافأة التي حظي بها سوى ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية على نفقة أرامكو ضمن برنامج الشركة الخاص بتطوير الموظفين السعوديين وذلك من أجل التخصص في الهندسة الميكانيكية. وهكذا شد صاحبنا الرحال إلى مدينة «بيت لحم» بولاية بنسلفانيا الأمريكية، حيث التحق هناك بجامعة ليهاي Lehigh التي منحته درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية في عام 1961. وعلى إثر ذلك عاد إلى الظهران لمواصلة عمله لدى أرامكو كأول مهندس سعودي بالشركة متخصص في الكهرباء والميكانيكا، لمدة عامين آخرين تقريبا.