القريشي بالروب واقفاً خلف زملائه بجامعة فؤاد الأول سنة 1950 وهم ناصر المنقور وعبدالعزيز الخويطر وحمد الخويطر وعبدالرحمن آل الشيخ.
القريشي بالروب واقفاً خلف زملائه بجامعة فؤاد الأول سنة 1950 وهم ناصر المنقور وعبدالعزيز الخويطر وحمد الخويطر وعبدالرحمن آل الشيخ.




صورة حديثة للقريشي خلال مقابلة تلفزيونية.
صورة حديثة للقريشي خلال مقابلة تلفزيونية.




القريشي (الأول من اليسار) في زفاف حسن المشاري بفندق برستول في بيروت 1965.
القريشي (الأول من اليسار) في زفاف حسن المشاري بفندق برستول في بيروت 1965.




عبدالعزيز بن زيد القريشي في صورتين من زمنين متباعدين.
عبدالعزيز بن زيد القريشي في صورتين من زمنين متباعدين.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني abu_taymour@
في بواكير قيامها ككيان سياسي موحد عام 1932، واجهت المملكة العربية السعودية تحديات كثيرة بسبب ضآلة الموارد المتاحة للإنفاق الحكومي، واعتماد الاقتصاد على إيرادات الحج وبعض الأنشطة المحدودة، ناهيك عن ندرة الكوادر الإدارية المؤهلة للقيام بأعباء الدولة الإدارية. تغيَّر هذا الوضع مع اكتشاف النفط عام 1938 وتصديره منذ عام 1945، حيث توفرت موارد مالية أحدثت نقلة نوعية في مسيرة الوطن وحياة المواطن. لكن انتقال البلاد إلى اقتصاد النفط وتدشين المشاريع التنموية فرضت تحديات جديدة، حيث تطلب الوضع الجديد القيام بإصلاحات جوهرية، ولاسيما في القطاعين المالي والنقدي؛ بمعنى إرساء نظام نقدي راسخ وعملة ثابتة وأسعار صرف مستقرة ونظم متطورة للمدفوعات. ذلك أن المواطنين قبل توحيد البلاد كانوا يعتمدون في المعاملات النقدية على خليط من العملات الأجنبية بحسب مناطقهم.

فمثلا كان الريال الفضي العثماني (الريال المجيدي) يستخدم في مناطق الغرب والوسط والجنوب، وكان ريال ماريا تريزا النمساوي (الريال الفرنسي) شائعاً في المنطقة الوسطى (نجد)، وكان استخدام الروبية الهندية الفضية هي الأكثر شيوعاً في مناطق الشرق بحكم ارتباطها القديم بالهند وإمارات الخليج. علاوة على هذا الخليط من النقود، كانت المسكوكات النحاسية من أجزاء الريال العثماني والروبية الهندية مستخدمة كوسيلة دفع في المعاملات الاعتيادية البسيطة، بينما كانت الجنيهات الذهبية الإنجليزية مستخدمة في المدفوعات الكبيرة وحالات الادخار.


وحينما دخل الملك المؤسس الحجاز وتعرف على قوتها الاقتصادية، اتخذ خطوات لتحسين أوضاع النقد وحماية سعره من التقلب، فتم اعتماد القرش الأميري الذهب كمعيار للقياس بما يساوي جزءاً من 120 جزءاً من الجنيه الإنجليزي الذهب، وتم سك القرش وأجزائه (نصف القرش وربع القرش) عام 1926م من معدني النحاس والنيكل وحددت قيمته بما يساوي نصف قرش أميري ذهب، وذلك لسد الحاجة إلى الفئات الصغيرة. وفي عام 1928 صدر أول نظام نقد سعودي باسم «نظام النقد الحجازي النجدي» وتم بموجبه اعتماد الريال العربي الفضي عملة رسمية للبلاد بديلاً للريال العثماني، واعتمد الجنيه الإنجليزي الذهب كمعيار لقيمة الريال الجديد وحدد سعره بـ10 ريالات للجنيه. وبموجب هذا الترتيب التزمت الحكومة بما يعرف بقاعدة المعدنين؛ حيث سمحت للعملات الذهبية الأجنبية بالتداول الحر جنباً إلى جنب مع الريال الفضي الرسمي.

تحديات الحرب العالمية والإدارة المحلية

يقول محمد بن سليمان الجاسر في مقال له بصحيفة الجزيرة (26/‏3/‏1999): «كان للعملات الذهبية والفضية طابع سلعي وقيمة جوهرية حسب محتواها من المعدن ونقاوته إلى جانب وظائفها كوسائط للدفع، لذا كانت قيمها وأسعار التبادل بينها تتأثر بالأسعار العالمية لمعدني الذهب والفضة مما كان يعرضها للتكديس أو التهريب أو الإذابة عند اختلاف هذه القيم تجاه بعضها البعض، كما كانت تتأثر قيم تلك العملات بظروف العرض والطلب المحلي للسلع والنقود وما ينتج عن ذلك من تقلبات في عرض النقود لعدم وجود جهة منظمة للإصدار».

هذه العوامل، علاوة على حالة عدم الاستقرار واليقين النقدي التي تسببت فيها الحرب العالمية الثانية، دفعت المملكة إلى مراجعة أوضاعها المالية والنقدية. ومن هناك كان قرار الملك عبدالعزيز في أوائل عام 1952 باستقدام بعثة مالية أمريكية لتقديم المشورة للحكومة في مجال تطوير أنظمة النقد والميزانية العامة والتعريفة والإدارة الجمركية. وبناء على توصيات تلك البعثة التي ترأسها المستشار المالي والاقتصادي «آرثر يونغ»، أصدر الملك مرسومين في أبريل 1952 بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي وتحديد مقرها الرئيسي جدة؛ واعتماد نظامها الأساسي؛ وتحديد مهامها في تثبيت ودعم قيمة واقعية ومستقرة للعملة السعودية داخلياً وخارجياً؛ ومعاونة وزارة المالية بتوحيد المركز الذي تودع فيه إيرادات الحكومة وتصرف منه مدفوعاتها وفقاً لبنود الميزانية المعتمدة؛ وحفظ وتشغيل الأموال الاحتياطية المرصودة لأغراض النقد، وتقديم المشورة للحكومة فيما يتعلق بسك العملة وطرحها في التداول ومراقبة المصارف التجارية والصيارفة، وقد حظر على المؤسسة ضمن أشياء أخرى إقراض الحكومة والهيئات والأفراد.

8 شخصيات تعاقبوا على المنصب

تعاقب على منصب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي منذ تأسيسها حتى الآن 8 شخصيات هم بالترتيب:

1 ــ المصرفي الأمريكي جورج بلوويرز (تولى منصبه عام 1952، واستقال عام 1954، وكان قبل قدومه إلى السعودية محافظاً للبنك المركزي في كل من ليبيريا وإثيوبيا. شهد زمنه اعتماد الجنيه الذهب عملة رسمية للمملكة وصدور أول عملة معدنية ذهبية تحمل اسم الملك عبدالعزيز عام 1952، وافتتاح فروع للمؤسسة في مكة والمدينة؛ وإصدار أول عملة ورقية سعودية من فئة 10 ريالات والمعروفة بإيصالات الحج في 25 يوليو 1953 ثم إصدار العملة الثانية من نفس الفئة في 18 مايو 1954 وإصدار أول عملة ورقية من فئة 5 ريالات في 16 يونيو 1954).

2 ــ المصرفي الأمريكي رالف ستاندش (عين نائباً للمحافظ بلوويرز عام 1954 بعد استقالة الفلسطيني راسم الخالدي ثم خلف بلوويرز بعد استقالته في نفس العام وتم تعيين المواطن السعودي معتوق حسنين نائباً له. استقال ستاندش عام 1958، وشهد زمنه افتتاح فروع للمؤسسة في الطائف والرياض عام 1955؛ وصدور نظام النقد الثاني ونظام النقد الثالث ونظام مراقبة النقد عام 1957، وطرح أولى مسكوكات المؤسسة من فئات القرش والقرشين والأربعة قروش عام 1957؛ وطرح الجنيه الذهبي السعودي حاملا اسم الملك سعود عام 1958).

3 ــ الاقتصادي الباكستاني أنور علي (ولد ونشأ في الهند وبعد تقسيمها انتقل للعيش في باكستان، وكان يعمل مديراً لإدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي عندما رشحه الصندوق لخلافة رالف ساندش عام 1958. وقبل ذلك شغل وظائف عليا في الهند وباكستان؛ منها نائب وزير المالية ورئيس البنك الوطني الباكستاني. وتوفي في واشنطن عام 1974 بنوبة قلبية. شهدت فترته إصدار نظام النقد الرابع المعمول به حتى اليوم عام 1959؛ الذي أجاز إصدار العملة الورقية الرسمية المتمتعة بصفة التداول القانوني والإبراء الكامل للديون والمدفوعات الخاصة والعامة، وحصر امتياز طبع وسك وإصدار النقد السعودي في المؤسسة، وفرض تغطية كاملة للعملة الصادرة من الذهب؛ وإدخال النظام العشري للعملة بحيث قسم الريال إلى 20 قرشاً بدلاً من 22 قرشاً، وأبطل نظام التعامل بالجنيه السعودي والذهب وإيصالات الحجاج والريالات المعدنية، وإصدار أوراق نقدية رسمية من فئة ريال، و5 و10 و50 و100 عام 1961؛ وصدور نظام مراقبة البنوك عام 1966، وصدور الموافقة على إصدار مسكوكات معدنية جديدة).

4 ــ عبدالعزيز القريشي (أول سعودي يشغل منصب المحافظ، وقد خلفه حمد بن سعود السياري في عام 1985، وظل في منصبه إلى 2009، حيث جاء بعده كل من الدكتور محمد بن سليمان الجاسر حتى عام 2011، وفهد بن عبدالله المبارك حتى 2016، ثم الدكتور حمد بن عبدالكريم الخليفي الذي شغل المنصب من مايو 2016 حتى يناير 2021م حينما أعفي من وظيفته مع نقله للعمل مستشاراً في الديوان الملكي وتم وقتها إعادة الدكتور فهد المبارك لقيادة المؤسسة).

السعودي الأول في منصب المحافظ

كل ما سبق كان توطئة للحديث عن الشيخ عبدالعزيز بن زيد القريشي باعتباره أول سعودي يشغل منصب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، التي تم تغيير اسمها إلى البنك المركزي السعودي في أواخر نوفمبر 2020. وأول سعودي يشغل وظيفة مدير عام سكة الحديد بالأصالة.

ولد القريشي في الأحساء في ثلاثينات القرن العشرين لأسرة تجارية ميسورة تتحدر من الحميد من بني خالد، كانت انتقلت من موطنها في حائل إلى الزبير مطلع القرن العشرين، وكان الثاني ضمن ستة أبناء أنجبهم والده جميعهم اتجهوا للعمل التجاري باستثنائه.

والده هو زيد بن علي القريشي الذي ولد بالزبير وعمل بها في شبابه ككاتب وإداري لدى التاجر الزبيري فهد بن محمد الراشد (من كبار مُلاك البساتين في البصرة وأحد مؤسسي غرفة تجارة البصرة وعضو مجلس إدارة شركة التمور والحبوب العراقية في الثلاثينات ومجلس إدارة شركة كهرباء الكويت)، قبل أن يستقطبه الملك عبدالعزيز ضمن من استقطبهم من رجالات الزبير المتعلمين، ويوظفه بمالية الأحساء، علما بأن زيد القريشي عاش حتى بلغ 110 من العمر، وكان لديه مجلس يومي في الدمام بجوار مسجد بناه هناك.

مزاملة الرعيل السعودي الأول من الوزراء

نشأ عبدالعزيز القريشي في الأحساء، ثم نقله والده إلى الزبير ليلحقه بمدرسة النجاة الأهلية الابتدائية هناك، وأكمل المرحلة الثانوية في البصرة نهاية الأربعينات، فعاد إلى المملكة لبعض الوقت عمل خلاله مع المقاول سليمان العليان في شركة التابلاين قبل أن يُبتعث عام 1950 إلى القاهرة لمواصلة تحصيله الجامعي في كلية التجارة بجامعة فؤاد الأول، وهناك زامل ثلة من الرعيل السعودي الأول ممن تقلدوا لاحقاً وظائف عليا في الدولة من أمثال عميد الوزراء الدكتور عبدالعزير الخويطر، ومندوب السعودية الأسبق لدى منظمة اليونيسكو الدكتور حمد الخويطر، والوزير والسفير الراحل ناصر المنقور، والشيخ عبدالرحمن بن سليمان آل الشيخ وزير الزراعة الأسبق، وغيرهم. وبعد حصوله على البكالوريوس من جامعته المصرية توجه إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية على نفقة والده، ثم ابتعث إلى أمريكا، حيث حصل من جامعة جنوب كاليفورنيا على درجة الماجستير في إدارة الأعمال عن أطروحة في شؤون البترول.

1800 ريال راتب رئيس مصلحة سكة الحديد

حينما عاد إلى السعودية عام 1961، رغب في العمل بوزارة البترول الناشئة، واتصل لهذا الغرض بوزيرها الشيخ عبدالله الطريقي، لكن الأخير اعتذر بحجة عدم وجود وظائف شاغرة وقتذاك وصعوبة استحداث وظيفة له نظراً لضعف ميزانية الوزارة، طبقاً لما ذكره القريشي بنفسه في حديثه لبرنامج «ألف ميل» من القناة السعودية عام 2021. صادف في هذه الأثناء أن تولى الأمير بدر بن عبدالعزيز وزارة المواصلات خلفاً للأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، وكان الأمير بدر راغباً في استعادة مدير عام وزارته «عبدالرحمن بن سليمان آل الشيخ» الذي كان الأمير سلطان قد عينه رئيساً لمصلحة سكة الحديد بالدمام بالإنابة بدلاً من رئيسها المستقيل الأمريكي قيلدي، فعُرض على القريشي أن يحل محل آل الشيخ، فوافق على الرغم من أنه لم يكن يعرف شيئاً عن عمل سكة الحديد. وهكذا تم تعيينه على المرتبة الثانية العادية (وفق النظام القديم) براتب 1800 ريال، وراح يطلب مساعدة آل الشيخ (زميله في الدراسة الجامعية بمصر) للإلمام بمهام وظيفته الجديدة، فتعلم الكثير منه على مدى شهر كامل.

أرامكو مصغرة

يقول القريشي إن سكة الحديد السعودية وقت توليه مسؤولياتها كانت عبارة عن أرامكو مصغرة لجهة نظام العمل والرواتب والدوام والتدريب والإنتاجية، ناهيك عن وجود بنية تحتية من المرافق المتكاملة الملحقة؛ مثل منازل للسكن وأخرى للضيافة ومطعم وصالة سينمائية ومحطة لتوليد الكهرباء وأخرى لتحلية المياه وسنترال للهاتف وغيرها. لكن كل هذا، بحسب كلامه، تغير بعد أن تمّ إلحاق السكة والميناء بوزارة المواصلات وصارتا خاضعتين لأنظمة الدولة بدلا من نظام أرامكو.

بيروقراطية «الحديد»

صادف القريشي خلال توليه مسؤولات سكة الحديد الكثير من المشاكل التي تعامل معها بالصبر والتروي، ومن بينها العوائق البيروقراطية التي كانت تؤخر وصول الموافقة من الرياض على طلبات شراء قطع الغيار وأعمال التحديث والتطوير (تحسن الوضع بعد تحويل السكة من مصلحة إلى مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة في مايو 1966)، ومنها مشكلة إقدام بعض البدو على ربط جمالهم المريضة بأطراف سكة الحديد كي تصدم بها القطارات فيطالبون السكة بالتعويض (تمّ التغلب على هذه المشكلة بصدور نظام حماية الخطوط الحديدية ومضمونه ترك مسافة 200 متر من كل جانب لا يسمح دخولها أو الاقتراب منها).

4 سنوات لإنجاز سكة «الدمام-الرياض»

وفي حديثه التلفزيوني السابق، سرد القريشي الكثير من القصص المرتبطة بتاريخ سكة الحديد، فذكر أن فكرتها جاءت من شركة أرامكو التي كانت قد اتخذت من ميناء الدمام بوابة لاستيراد احتياجاتها الكثيرة من الخارج، ولأن البواخر كانت مضطرة لتفريغ حمولتها بعيدا في المياه العميقة اضطرت أرامكو لمد لسان بحري بطول 5 كلم تسير عليه القطارات لنقل حمولة البواخر إلى داخل الدمام ومنها إلى الظهران بالسيارات. في هذه الفترة (عام 1945) قام الملك عبدالعزيز بزيارة مصر تلبية لدعوة من الملك فاروق، فوصل جلالته إلى ميناء السويس بحرا وانتقل من هناك إلى القاهرة بالقطار الذي وجده مريحا وسريعا. ولهذا فبمجرد عودته إلى بلاده طلب من شركة أرامكو أن تمد خط سكة حديدها من الدمام إلى الرياض. يقول القريشي إن أرامكو تلكأت في الاستجابة للطلب الملكي متذرعة بعدم وجود أموال كافية لتنفيذ المشروع، ولهذا أوفد الملك وزير ماليته عبدالله السليمان إلى واشنطن لطلب المساعدة، الأمر الذي أفضى إلى بدء أرامكو بتنفيذ المشروع في أكتوبر 1947 والانتهاء منه في أكتوبر 1951 بتكلفة 250 مليون ريال.

فترة الطفرة النفطية.. قروض سعودية لإنجلترا وفرنسا واليابان

المحطة الثالثة في مسيرته المهنية بدأت بنقله من ديوان الموظفين إلى مؤسسة النقد السعودي ليكون محافظاً لها بدلاً من أنور علي. يقول القريشي إن تعيينه هذا جاء بعد أن نما إلى أسماع وزير المالية -آنذاك- الأمير مساعد بن عبدالرحمن ونائبه محمد العلي أبا الخيل أنه متعب من العمل في ديوان الموظفين ويريد الخروج، فعرضا عليه منصب المحافظ وهو من جانبه رحب ووافق، فأصدر الملك فيصل مرسوم التعيين في أكتوبر 1974. وهكذا ترك القريشي الرياض إلى جدة التي لم يكن يعرف فيها سوى نائب محافظة مؤسسة النقد آنذاك خالد القصيبي.

كان مجيء الرجل إلى مؤسسة النقد في فترة الطفرة النفطية التي توفرت فيها للدولة فوائض نقدية ضخمة مع بنية اقتصادية ضعيفة وأدوات استثمارية محدودة غير قادرة على استيعابها، وحسب قوله كانت إيرادات الدولة بعد الارتفاع الهائل في أسعار النفط -آنذاك- ضخمة إلى درجة أن السعودية راحت تقدم قروضاً للدول الصناعية مثل إنجلترا وفرنسا واليابان وفنلندا، بل قدمت قرضا لصندوق النقد الدولي بمبلغ 10 بلايين دولار، الأمر الذي أدى إلى حصولها على كرسي دائم في الصندوق وانتقالها من المركز 13 إلى المركز السادس في ترتيب الصندوق، وبالتالي تمتعها بنفوذ قوي.

من أهم إنجازاته زمن توليه منصب المحافظ: سعودة فروع البنوك الأجنبية بتحويلها إلى شركات مساهمة يسيطر الشريك السعودي على 60% من رأسمالها؛ وتوطين الوظائف المصرفية؛ إدخال صور ملوك البلاد في العملات الورقية وتكليف شركات ومطابع بريطانية متخصصة بتصميمها وطباعتها بطريقة تحول دون التزوير؛ وضع نظام دقيق لعمل مكاتب الصرافة ومراقبة أنشطتها للحيلولة دون إفلاسها أو إتجارها بالفضة أو تقديم إغراءات غير قانونية للمودعين والمحولين من العمالة الأجنبية، وافتتاح فروع جديدة للمؤسسة في مختلف أنحاء المملكة. وأخيراً فقد قال عنه زميله د. عبدالعزيز الخويطر: «لو لم أكن عبدالعزيز الخويطر لوددت أن أكون عبدالعزيز القريشي».

التخرج من مدرسة الوزراء إلى الديوان العام

في عام 1988، كان القريشي، الذي عُرف في عمله بالدقة والتنظيم والهدوء والالتزام، على موعد مع نقلة أخرى في حياته المهنية. فمن بعد عمله المريح في سكة الحديد، التي وصفها الراحل الدكتور غازي القصيبي بأنها مدرسة الوزراء كناية عن أن كل الذين تعاقبوا على إدارتها صاروا لاحقا وزراء في الحكومة، صدر قرار عام 1968 بتعيينه مديراً عاماً للديوان العام للموظفين بالرياض بدرجة وزير. يقول القريشي إن ديوان الموظفين كان وقت تسلمه إدارته يشكو من مشاكل كثيرة على رأسها خلو ملفات موظفي الدولة من بيانات كاملة موثقة، ما كان يتسبب في حدوث مشاكل إنسانية وقت تقاعد الموظف أو وفاته، ولتصحيح الوضع أعد نموذجاً يضع فيه الموظف العام كل بياناته بالتفصيل ثم يتم التثبت من تلك البيانات من الجهات ذات العلاقة، وقد استغرق إتمام هذه العملية التطويرية مدة عامين. إلى ذلك قام القريشي بمساعدة عدد من زملائه السعوديين من ذوي الكفاءة مثل الحصين والدغيثر والفايز والنفيسة بإعداد نظام جديد للموظفين وللتأديب وللترقيات والعلاوات السنوية وللرقابة والتحقق، ما أدى إلى تحقيق العدالة والمساواة والتخلص من مظاهر النظام القديم القائم على المحسوبية والواسطة والمناطقية.

وبحكم وظيفته هذه كان عضواً في مجلس الوزراء، فكان يكلف بأعباء بعض الوزارات بالإنابة وقت ذهاب حملة حقائبها في إجازة. ومن أمثلة ذلك أنه تولى وزارة الإعلام بالإنابة مرتين زمن الوزير جميل الحجيلان ومرة واحدة زمن الوزير إبراهيم العنقري.