د. عبدالعزيز بن إبراهيم البسام (يسارا) مع المغفور له الشيخ زايد في افتتاح جامعة الإمارات سنة 1977م
د. عبدالعزيز بن إبراهيم البسام (يسارا) مع المغفور له الشيخ زايد في افتتاح جامعة الإمارات سنة 1977م
د. عبدالعزيز بن إبراهيم البسام وشقيقه الأصغر د. أحمد بن إبراهيم البسام.
د. عبدالعزيز بن إبراهيم البسام وشقيقه الأصغر د. أحمد بن إبراهيم البسام.




د. محمد الرشيد الناصر والشيخ د. عبدالعزيز الخويطر.
د. محمد الرشيد الناصر والشيخ د. عبدالعزيز الخويطر.
د. محمد بن أحمد بن بكري شطا، وعمه صالح بكري شطا.
د. محمد بن أحمد بن بكري شطا، وعمه صالح بكري شطا.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني - أستاذ العلاقات الدولية في مملكة البحرين abu_taymour@
إذا كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (توفي عام 1973م) هو أول من نال شهادة الدكتوراه على مستوى العالم العربي (حصل عليها في عام 1914 من الجامعة الأهلية المصرية عن أطروحة متعلقة بتاريخ الشاعر أبوالعلاء المعري، دون أن يمر بدرجتي الليسانس والماجستير)، وإنْ كان قد ابتعث بعد ذلك إلى مونبيلييه بفرنسا لمتابعة تخصصه والاستفادة من علوم العصر ومعارفها، فمن هو يا ترى صاحب الدكتوراه الأولى على مستوى دول الخليج وشبه الجزيرة العربية؟

هذا السؤال طرحه أستاذنا المؤرخ والأديب الأريب محمد بن عبدالرزاق القشعمي في مقالة له بصحيفة «عكاظ» السعودية (26/‏2/‏2009)، مُقراً بوجود إجابات مختلفة ومتباينة. فهناك من يقول إنه الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن علي بن عثمان الخويطر (المولود في عنيزة عام 1918م والمتوفى عام 2014 عن عمر ناهز 96 عاما). والدكتور الخويطر، كما تشير سيرته الذاتية المنشورة، درس الابتدائية والمتوسطة في مدارس عنيزة، ثم انتقل إلى مكة المكرمة لدراسة المرحلة الثانوية في المعهد العلمي هناك. بعدها ذهب إلى القاهرة حيث حصل على ليسانس الآداب من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة 1950م، ثم سافر إلى بريطانيا حيث أكمل دراسته العليا ونال درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة لندن في عام 1960م عن أطروحة حول سيرة الملك الظاهر بيبرس. ولهذا قيل إنه أول سعودي ينال الدكتوراه من بريطانيا، لكن الخويطر؛ الذي تدرج بعد عودته من رحلته التعليمية في مناصب ومسؤوليات كثيرة خلال عهود الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله جميعا مثل: أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض، الأمين العام للجامعة، وكيل الجامعة للشؤون الأكاديمية، رئيس الجامعة، رئيس ديوان المراقبة العامة، وزير الشؤون الاجتماعية، وزير المالية، وزير الصحة، وزير العمل، وزير المعارف، وزير التعليم العالي، وزير الزراعة، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء؛ ليس أول سعودي ينال الدكتوراه على الإطلاق.


الرشيد أو البسام

فهناك من يقول إن محمد الرشيد، نجل رشيد باشا الناصر آل ليلى (توفي عام 1943) قنصل السعودية العام في دمشق هو أول سعودي وخليجي حصل على إجازة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لوزان السويسرية في عام 1940م على نفقة الملك عبدالعزيز آل سعود عن أطروحة بعنوان «تاريخ العرب الدبلوماسي». كما أن هناك البعض الآخر الذي يشير إلى عبدالعزيز بن إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن البسام كصاحب أول شهادة دكتوراه، قائلين أن الأخير، وهو من عائلة البسام النجدية القصيمية المعروفة، يستحق اللقب دون غيره. ذلك أن الرجل، المولود في قضاء الزبير بمحافظة البصرة عام 1915 ابن لأسرته المهاجرة إلى العراق، أنهى في الزبير والبصرة مراحل تعليمه الابتدائية والمتوسطة والثانوية قبل أن يلتحق بجامعة برمنجهام البريطانية في عام 1938 ويتخرج منها سنة 1941 حاملا درجة البكالوريوس في علم النفس والتربية، ثم ليواصل تعليمه في الجامعة نفسها ويجتاز المرحلة الأولى للماجستير سنة 1942 قبل أن ينال الماجستير من جامعة لندن عام 1946 ثم الدكتوراه في علم النفس من الجامعة الأخيرة عام 1948، علما بأن الرجل تقلب في العديد من المناصب قبل وبعد نيله لشهادة الدكتوراه ومنها: مزاولته التدريس بدار المعلمين العالية الابتدائية في بغداد في الفترة ما بين عامي 1943 و1946، وتوليه منصب الأستاذ المساعد ثم منصب الأستاذ بدار المعلمين العالية في الفترة ما بين عامي 1950 و1955، وتعيينه معاونا للمدير العام للمعارف العراقية خلال الأعوام من 1955 إلى 1958، وتوليه منصب أستاذ بكلية التربية بجامعة بغداد سنة 1958 قبل أن يناط به مسؤولية عمادة الكلية الأخيرة عام 1964. وما بين هذا وذلك مثل عبدالعزيز البسام العراق لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) بدرجة سفير في الفترة ما بين عامي 1965 و1971، كما كان مستشارا فنيا في وزارة التربية والتعليم العراقية بدرجة وكيل وزارة من عام 1971 إلى عام 1977، وكان عضوا عاملا في المجمع العلمي العراقي في الأعوام من 1963 إلى 1996، وعضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضوا مؤازرا في مجمع اللغة العربية الأردني منذ عام 1980، وعضوا وزميلا في الجمعية البريطانية لعلم النفس منذ عام 1946. ومما قيل أن الدكتور عبدالعزيز استقبل في منزله ببغداد الأستاذ عبدالرحمن المعمر والشيخ عثمان الصالح موفدين من قبل الملك فهد بن عبدالعزيز حينما كان جلالته وزيرا للمعارف في الخمسينات لدعوته للعودة إلى أرض آبائه وأجداده هو وأشقاؤه للإمساك بمناصب تعليمية قيادية.

مؤسس جامعة العين

وعبدالعزيز البسام -طبقا لما كتبه عنه كل من الأستاذ حميد مجيد هدو (في موسوعة أعلام العرب)، والأستاذ حميد المطبعي (في موسوعة علماء وأعلام العراق)، والدكتور إبراهيم خليل العلاف الأستاذ بجامعة الموصل- «كانت فلسفته تقوم على أهمية المساهمة في خلق جيل متوازن بين نفسه ومجتمعه»، و«كان رحمه الله استاذا فذا وأكاديميا متميزا وإنسانا لطيفا نبيلا متواضعا... يحظى باحترام زملائه وطلبته». ولهذا كله لم يكن غريبا أن تختاره دولة الإمارات العربية المتحدة وتسند إليه مهمة الإشراف على تأسيس أول جامعة فيها وهي «جامعة العين» في أبوظبي (تأسست بموجب المرسوم الإتحادي رقم 4 لسنة 1976)، وتنظيم مناهجها الدراسية ووضع نظامها الداخلي وذلك في الفترة ما بين عامي 1977 و1984، ليذهب بعد أدائه لتلك المهمة التربوية بنجاح إلى الكويت حيث عمل في الأعوام من 1985 إلى 1988 كمستشار في جامعة الكويت، قبل أن يتوفي في عام 2005 بعد صراع مع المرض، ليسدل الستار على حياة من وصفه الأستاذ حميد المطبعي بـ«أفضل من كتب في التاريخ التربوي من العراقيين».

على أن الأستاذ حامد البسام وهو من عائلة البسام من فرع آل عبدالقادر ممن سكنوا واستقروا في الكويت ونالوا جنسيتها علق على ما سبق من معلومات في تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي قائلا ما مفاده أن للدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم البسام أخاً أكبر منه يدعى عبدالرحمن بن إبراهيم البسام وأن الأخير نال درجة الدكتوراه قبله، وتحديدا من جامعة السوربون الفرنسية بباريس، وبالتالي فهو أول نجدي يحصل على هذه الدرجة العلمية الرفيعة، مضيفا: «تلاه أخوه عبدالعزيز ثم تلاهما أخوهما أحمد الذي حصل على الدكتوراه عام 1954، وهم أخوال الشيخ علي خليفة العذبي الصباح وزير المالية الكويتي السابق». وبعد البحث والتقصي من آل البسام الكرام في المملكة العربية السعودية والبحرين، ولاسيما من صديقي الدكتور بدر بن عبدالرحمن البسام أستاذ الكيمياء والأحياء بجامعة الملك سعود، وجدت أن المعلومات السابقة ليست كلها صحيحة. فعبدالرحمن بن إبراهيم البسام درس مرحلة ما قبل الدراسة الجامعية في الزبير والبصرة مثل أخيه عبدالعزيز، وتخرج من جامعة بغداد عام 1937 حاملا ليسانس الحقوق، وكان من أوائل دفعته وممن تلقوا العلم على يدي الفقيه الدستوري المصري عبدالرزاق السنهوري (توفي عام 1971) الذي كانت حكومة المملكة العراقية قد استدعته من مصر إلى العراق في عام 1935 لتأسيس كلية الحقوق، بل أن السنهوري أخذه لاحقا معه إلى القاهرة حيث نال درجة الماجستير في القانون من جامعة فؤاد الأول (القاهرة لاحقا) عام 1939، ثم عمل مدرسا في جامعة بغداد. ومما أخبرني به الدكتور بدر بن عبدالرحمن البسام أيضا أنه زار الرجل في بيته ببغداد سنة 1971 فوجده عبقريا وحجة في القانون، وأن زملاءه كانوا يحثونه على إكمال دراسته لنيل الدكتوراه فكان يتحمس ثم ما يلبث أن يتقاعس. وهكذا ظل عبدالرحمن بن إبراهيم البسام مكتفيا بالماجستير دون الدكتوراه واهبا نفسه للعمل أستاذا بجامعة بغداد إلى أن لاقى وجه ربه في العاصمة العراقية عام 1975.

وأضاف الدكتور بدر البسام أن الذي واصل دراسته حتى مرحلة الدكتوراه هو شقيقه الأصغر سنا وهو أحمد بن إبراهيم البسام الذي نال إجازة الدكتوراه في القانون التجاري من جامعة باريس سنة 1954 قبل أن يعمل لسنوات طويلا مستشارا قانونيا لشركة نفط الكويت، وقبل أن ينتقل من الكويت للاستقرار بمدينة الخبر، حيث تزوج وأنجب أول أبنائه وهو إبراهيم أحمد إبراهيم البسام الذي فضل الإقامة في البحرين.

غير أنه لو اعتمدنا على ما ورد في العدد السابع عشر من جريدة «صوت الحجاز» الصادرة في عام 1932 استنادا إلى خبر نشرته صحيفة الأهرام المصرية سنتئذ، فإن أول من نجح في الحصول على شهادة الدكتوراه هو الدكتور محمد شطا.

محمد شطا

ومحمد شطا، لمن لا يعرفه، هو محمد بن أحمد بن بكري (أبوبكر) شطا الحسيني الهاشمي الدمياطي، المكي المولد الشافعي المذهب. أبصر محمد شطا النور في براحة بنجر بحي الشامية في مكة المكرمة في عام 1905 ونشأ وترعرع في بيت علم وفضل ونسب رفيع هو بيت والديه. جده بكري بن محمد شطا المتحدر من أسرة مهاجرة من مدينة دمياط المصرية إلى مكة في أواخر القرن الثاني عشر الهجري كان عالما من علماء مكة المعروفين الذين يتصل نسبهم بالحسين بن علي بن أبي طالب (طبقا لنسابة المدينة المنورة الشريف أنس الكتبي). وعم محمد شطا هو العالم والأديب والخطيب والسياسي صالح بن بكري بن محمد شطا المولود بمكة في عام 1302 للهجرة الذي كان من رواد نهضة المملكة العربية السعودية، ومن أجلة العلماء وأوائل الوطنيين الصادقين، علما بأنه سافر إلى مصر وفلسطين والشام والهند والملايو لتلقي العلوم والرواية والبحث عن نفائس المخطوطات، ناهيك عن أنه تعرض للسجن من قبل الحكومة الهاشمية لمناوئته لها، وفي العهد السعودي تقلد مناصب عدة. فقد عين مساعدا للنائب العام لجلالة الملك في الحجاز، وكان أول مدير لمديرية المعارف وعضوا بمجلس الشورى في بداية تأسيسه عام 1925م، وعضوا في مجلس الوكلاء، ثم عاد إلى مجلس الشورى كنائب أول لرئيسه في حدود عام 1946م، قبل أن يتوفى إلى رحمة الله بمكة في حدود عام 1949.

سيرة عطرة وحياة عملية حافلة بالعطاء

درس الدكتور محمد شطا في صغره في كتاتيب مكة المكرمة التقليدية، ثم التحق بقسم الحفاظ بمدرسة الفلاح (أول مدرسة نظامية في الحجاز) التي أسسها تاجر اللؤلؤ المعروف الوجيه الشيخ محمد علي زينل (توفي في بومباي سنة 1969) بمكة في عام 1911 كفرع لمثيلتها بجدة. وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم في ذلك القسم التحق بالقسم الابتدائي، ثم تدرج في المراحل التعليمية إلى أن وصل إلى القسم العالي النهائي في حدود العام 1922م. في أعقاب ذلك رحل للدراسة إلى ولاية قدح بالملايو حيث مكث فيها مدة سنة عمل خلالها كمعلم بالمدرسة الإسلامية عاد بعدها إلى مكة المكرمة لينطلق منها إلى مصر على نفقته الخاصة من أجل الدراسة بالأزهر الشريف، حيث منحه الأزهر شهادة القضاء الشرعي. لاحقا انضم شطا إلى أول بعثة توفدها الحكومة السعودية إلى المعاهد المصرية في سنة 1346 للهجرة (1926 ميلادي تقريبا)، فدرس هناك التربية والآداب في الأزهر إلى أن نال فيهما درجة الدكتوراه بتفوق، حيث كان ترتيبه الأول على دفعته.

بعد حصوله على إجازة الدكتوراه وعودته إلى وطنه عمل مفتشا عاما في المحاكم الشرعية السعودية، كما عمل مدرسا بالمعهد العلمي السعودي، ومدعيا عاما في قضايا الجنح والتعزيرات، ومفتشا أول في وزارة المعارف السعودية ثم مديرا عاما مساعدا في الوزارة نفسها، ومديرا عاما للإذاعة السعودية، ومصححا للمصاحف بمكة. وكان آخر وظيفة تقلدها الدكتور شطا هي «رئيس إدارة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي» بمكة والذي تأسس في عام 1962 في عهد المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز، علما بأن هذا المجلس التأسيسي مكون من 60 عضوا يمثلون الشعوب والأقليات المسلمة، وهو السلطة العليا في الرابطة التي تعتمد كافة الخطط المتبناة من قبل الأمانة العامة للرابطة.

حفلت حياته بالعديد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي شارك فيها في داخل بلاده وخارجها. فقد مثل السعودية في المؤتمر الثقافي الأول المنعقد في بيت مري بلبنان في سبتمبر 1947، وفي مؤتمر الآثار الأول المنعقد في دمشق في عام 1947، وفي اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية بالإسكندرية سنة 1946، وفي مؤتمر اليونسكو العالمي المنعقد في بيروت سنة 1961. وألقى محاضرات متنوعة في المناهج المدرسية وأصول التربية والتعليم وطرق التدريس في مختلف مناطق بلاده.

في العاشر من ربيع الأول سنة 1401 للهجرة انتقل شطا إلى جوار ربه بعد معاناة من أمراض القلب، فدفن بمقابر المعلاة بمكة، تاركا خلفه سيرة عطرة وذرية مباركة مكونة من ابنه الوحيد استشاري طب العيون الدكتور علي محمد شطا، وست بنات هن: ليلى ونوال وأمل وهدى وسناء ومنى. كما ترك خلفه مكتبة عامرة بشتى المؤلفات في العلوم والمعارف تمّ إهداؤها لمكتبة مكة المكرمة (مكتبة المولد الشريف)، علاوة على عدد من المؤلفات أبرزها كتاب «الوقف وحكم الشريعة الإسلامية فيه»، وكتاب «أبو مسلم الخراساني وأثره في نشوء الدولة العباسية»، إضافة إلى مخطوطة بعنوان «تفسير الفاتحة وبعض آيات القرآن الكريم».

ونختتم بالقول أن البعض، ومنهم المؤرخ القشعمي، لهم تحفظ على مقولة أن الدكتور شطا هو أول صاحب شهادة دكتوراه في دول الخليج العربية، وذلك من منطلق أن الأزهر لم يكن مؤسسة تعليمية حديثة تمنح شهادات الدكتوراه وما قبلها في التخصصات العلمية المختلفة قبل القانون رقم 103 لسنة 1961 الذي حول نظامه التعليمي إلى النظم التعليمية الحديثة المعمول بها في العالم.