ندرك أن للتخطيط والتأسيس دولة ورجالاً، ولعل نواة التعليم العالي بالوطن الذي انبثق من مهبط الوحي، أم القرى، بأمر المؤسس (طيب الله ثراه) كان رؤيةً ثاقبة لملوكنا ورجالهم في تحقيق تلك الرؤية كنظام أساسي للوطن في دعم التعليم وإشاعته. كل ذلك جدد استحضاره قبيل أيام معدودة نبأ وفاة الدكتور عبدالعزيز بن مصطفى عقاب، العميد المؤسس لكلية العلوم التطبيقية والهندسية بجامعة أم القرى، وهي الكلية الأم لعموم كليات الجامعة العلمية والطبية والحاسوبية. كان، الفقيد من الأفذاذ في قيادته وإدارته، فهو من الفريق الإداري التأسيسي للجامعة إبّان صدور الأمر الملكي من الملك فهد بن عبدالعزيز(رحمه الله)، بتأسيس جامعة أم القرى وتعيين الدكتور راشد بن راجح مديراً لها. تدرج في تحصيله العلمي بحصوله على الدرجة الجامعية من كلية العلوم بجامعة الرياض آنذاك، الملك سعود حالياً، بادئاً مساره المهني من مختبرات وزارة الصحة ثم انتقل للجامعة ومنها ابتعث إلى المملكة المتحدة لنيل درجة الدكتوراه. فعاد إلى الجامعة ليقود مع زملائه تحقيق رؤية القيادة في تأسيس الجامعة ومأسسة التعليم العالي في واحدة من أعرق جامعات المملكة. قد جمع الله له بين الحكمة والرصانة، مع جلال ومكانة، ولم يعرف عنه إلا لين الجانب وسماحة الطبع والتيسير غير المخالف للنظام. كان أسلوبه مع طلابه مختصراً في جملة متحقق معناها منطقاً وفعلاً «أنتم أبنائي». كان بفطرة لا مقصودة، وخروج غير مخل بالعرف الأكاديمي، يتحف طلابه بشيء من تاريخه التحصيلي المهني، غارساً بتلك السرديات بذور المواطنة الحقة فيما ينتقي من حديث. كان من ذلك، ما ذكره الفقيد من لقائه وزملائه خلال بعثته بالملك خالد (رحمه الله)، في رحلته العلاجية للمملكة المتحدة ولقائه أبناءه الطلاب السعوديين هناك، وتلطفه معهم وعطفه الملكي المعهود ومكرمته الكريمة لمن التقاهم في ذاك اللقاء. موقف كهذا يرسخ لمن يتلقاه أصالة المتحدث، ولحمة الوطن. كان من أقواله المأثورة، رحمه الله، بين طلابه «لا يجمع الله لعبده بين عسرين»، مقولة تنبض بالإيمان واليقين من قلب آمن بربه.


العمل الأكاديمي بين الأنداد والأقران وصناعة قراراته، يحتاج إلى دهاء من غير مكر، وحكمة من غير جور، وحلم من غير غدر. ولا يتحقق ذلك إلا بأهل الحكمة والعقل الرصين، والذي كان للفقيد مشعلاً يهتدى به في سبيل تحقيق ذلك. كان مقصداً ومرجعاً لحديثي العهد وقديمه بالشأن الأكاديمي الإداري بالقسم والكلية والجامعة، لما وهبه الله من اتزان ومكانة.


وقد عانى في آخر حياته من شدة المرض، إلا أنه كان صابراً محتسباً، داره مفتوحة للصغير والكبير، كريماً مضيافاُ، لا يحدثك عن ألم أو ضنك، مجلسه مرح كروحه الطيبة. رحل عن دنيانا مقدماً لآخرته تاريخاً تليداً من خدمة الدين والوطن، وأجيالاً من طلابه يترحمون عليه. قدر الله لا مفر منه، ولقاؤه حق، إلا أن للفقد لوعةً، وللأحبة شوقاً يسكنه الدعاء والتضرع للمولى بأن يجعلهم في دار رحمته ومستقر كرامته.