-A +A
راوية حشمي (بيروت) HechmiRawiya@

الفراغ وتعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتحول يوماً بعد يوم إلى واقع عملت على تكريسه ترجيحات كل القوى العاملة على هذا الخط في ظل عاملين لا ثالث لهما، الأول داخلي والثاني خارجي.

العامل الداخلي يتمثل في الصراع السياسي الذي يحتدم عند كل استحقاق لفرض أمر واقع ما، وفقاً للاصطفافات التي تتبدل وتتغير بين استحقاق وآخر والتي تفرز في أشدها «توازناً متقارباً» لا أكثرية أو أقلية فيه، فلا يستطيع فريق فرض خياره أو قراره على الفريق الآخر بشكل حاسم، إلا أنها تكون قد ساهمت في إضعاف هيكل الدولة ومقوماتها، وشرذمت اللبنانيين الذين يعودون إلى الاصطفاف الأعمى خلف طوائفهم وزعمائهم.

هذا العامل الداخلي الذي بدأ تكريسه والاستثمار فيه قائم على وجود انقسام مسيحي حاد، وغياب الزعيم السني، وهيمنة «حزب الله» العلنية الذي أحكم في الفترة الأخيرة قبضته على كل شيء وتمكن من الربط بين الانتخابات الرئاسية والملفات الإقليمية.

وهنا يبرز العامل الخارجي، فعلى الرغم من القناعة التامة بأن المجتمع الدولي يسعى في اتجاه الضغط لإجراء الانتخابات الرئاسية كما فعل في الانتخابات النيابية، إلا أن هذه الانتخابات باتت مرتبطة فعلياً بملفات المنطقة، كانتخابات إسرائيل المبكرة، وترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل الذي صار ملفاً إقليمياً بفعل حاجة العديد من الدول لبدء التنقيب عن النفط بعد الترسيم، والاتفاق النووي الإيراني، وغيرها.

وحتى يتفق الجميع سواء في الداخل أو الخارج على صيغة انتقالية ترضي كل المطامع والمصالح، فإن لبنان على موعد مع شغور موقع رئاسة الجمهورية للمرة الثالثة على التوالي ما سيؤدي وفقاً لمراقبين إلى عواقب وخيمة، لأن الظروف هذه المرة مختلفة تماما في ظل أزمة اقتصادية ومالية حرجة. هذا الوضع المزري سيجعل من الضغوطات الخارجية، والمشادات السياسية والدستورية الداخلية التي ستنطلق حول أحقية تسلم حكومة تصريف الأعمال مهمات رئاسة الجمهورية، كلها ستدفع إلى الفوضى بعد تعطيل كل شيء في لبنان.