خادم الحرمين وولي العهد أمام بوابة الدرعية.
خادم الحرمين وولي العهد أمام بوابة الدرعية.
-A +A
«عكاظ» (جدة) okaz_online@
لم تتوقف المشاريع التطويرية التي يطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مختلف مناطق المملكة بما يتماشى مع رؤية 2030، لتطوير المكان ورفاهية الإنسان، فبعد المشاريع المميزة في السنوات الأخيرة، وضع خادم الحرمين الشريفين أخيراً، حجر الأساس لمشروع «بوابة الدرعية» الهادف إلى ترميم المنطقة التاريخية كمشروع تراثي ثقافي، وإعادتها إلى ماضيها العريق في القرن الثامن عشر، ولتصبح وجهة سياحية محلية وعالمية نظراً لما تضمه من جغرافيا وتاريخ عتيق. وكشفت النظرة المستقبلية لهيئة تطوير بوابة الدرعية الملامح الحديثة للمكان الموغل في التاريخ، ليكون في قادم الأيام وجهة تاريخية وثقافية وسياحية على المستوى العالمي، وقصة تروى للأجيال عن سيرة الوطن الشامخ ورجاله المخلصين منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، ونشأة «الدرعية» على ضفاف وادي حنيفة عام 850هـ/‏‏1446م وحتى هذا العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليلتقي الماضي مع الحاضر في واقع مميز للحياة المعاصرة.

وجهة سياحية عالمية


ويهدف المخطط الرئيسي لبوابة الدرعية الذي أسس له خادم الحرمين الشريفين بقيمة 64 مليار ريال، إلى بناء مجتمع حضاري تقليدي متعدد الاستخدامات يحتفي بالتاريخ الثقافي العريق للمملكة العربية السعودية، ممتداً على مساحة سبعة كيلومترات مربعة بحيث يوفر المخطط خمسة أماكن مميزة للتجمع والاستكشاف، تشمل: «ميدان الملك سلمان» الذي يقع في الجهة الشمالية ويمثل أكبر منطقة للتجمع في بوابة الدرعية، «مدرج سمحان» في منتصف الطريق الممتد على طول الجرف، بجوار منطقة التجزئة على الجانب الغربي لبوابة الدرعية، «ميدان النصب التذكاري لأبطال المملكة» يتوسط بوابة الدرعية ليربط بين شرق وغرب البوابة ويجاور منطقة أنماط الحياة الجديدة، «ميدان المسجد» على طول الطريق المعبد ويمثل نقطة الوصول إلى مسجد الملك سلمان، «ميدان القرية التاريخية» في الطرف الجنوبي للقرية التاريخية. وستمنح الأماكن والشوارع والبوابات والأبراج والساحات أسماء مستوحاة من الشخصيات التاريخية الشهيرة والملوك والأبطال احتفاءً بإرثهم العريق.. ويحد الجرف الطبيعي حافة الهضبة المرتفعة ليضيف عنصراً من الجمال إلى بوابة الدرعية.

6 متاحف تضمن المخطط ستة متاحف هي: «منزل آل سعود» يضم جناحاً مخصصاً لخادم الحرمين الشريفين ويحتضن إرث المملكة العربية السعودية وإنجازات الملك سلمان بن عبدالعزيز، «متحف الدولة السعودية وشبه الجزيرة العربية» ويستعرض تاريخ المنطقة وتطور الدولة السعودية، «متحف رحلة المائة قصة» سيمكن الزوار والمقيمين من التفاعل مع قصص تاريخ المملكة وثقافاتها عبر مختلف المواقع ومن خلال التجارب الواقعية والإلكترونية، «مركز الدرعية للفنون» ويعنى بالفنون والثقافة المعاصرة ويقع ضمن منطقة البجيري ويربط الماضي بالحاضر والثقافة بالطبيعة، «متحف الفنون الرقمية» ويحفز لخوض تجربة مبتكرة ومشابهة للواقع تعرض مختلف المعلومات عن تاريخ الدرعية بهدف جذب الأجيال الجديدة لاستكشاف تراثهم الوطني، «متحف مسك للتراث» وهو مؤسسة تعليمية تهدف لتحفيز الجيل القادم للتفاعل بكل ما يتعلق بتاريخ وإرث المملكة عبر ترويج آخر الأبحاث والتميز بطريقة العرض. ويشمل المخطط الرئيسي لبوابة الدرعية، «منطقة الفنون» وسيتم تأسيس خمس أكاديميات ضمن منطقة الفنون لتوفر فرص تعلم تشمل العديد من التخصصات المحلية مثل الخط العربي والفنون الإسلامية والعمارة النجدية والأبنية الطينية وفنون الطهي النجدية والمسرح والموسيقى العربية.

وأدرج ضمن المخطط الرئيسي، مواقع الراحة والاسترخاء: تتجاوز 20 علامة للفنادق العالمية الفريدة وتوفر 3100 غرفة فندقية فاخرة، وتتراوح العروض الفاخرة بين 40 فندقاً مميزاً في منطقة الفنون، إلى جانب المنتجعات المتكاملة بسعة 300 غرفة تطل على وادي حنيفة، إضافة إلى موقعين للضيافة والمعارض، بما فيها مركز منارة الدرعية للمؤتمرات والمعارض، وقاعة الهويدية للأفراح.

ملاحم بطولية خلّدها التاريخ

يزخر تاريخ الدرعية بملاحم بطولية، وماضٍ تليد ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ومهد انطلقت منه الدولة السعودية.

وتمثّل الدرعية منارة للإرث المستمر للأسرة المالكة، ورمزاً للوحدة التي يعيشها السعوديون، إلى جانب دورها التاريخي في تأسيس الاستقرار وجلب الازدهار بمشاركة أبناء البلاد في مختلف أنحائها.

نشأت الدرعية على ضفاف وادي حنيفة عام 850هـ/‏‏‏‏1446م، حينما قدم مانع المريدي جد الأسرة الحاكمة إلى المنطقة، واضعاً اللبنة الأولى لتأسيس الدولة، وفي تلك الفترة لم تكن الأحوال السياسية جيدة في شبه الجزيرة العربية، فقد كانت تعاني الإهمال والتفكك والتناحر وانتشار الجهل والأمية. وفي 1157هـ/‏‏‏‏1744م، تولّى إمارة الدرعية الإمام محمد بن سعود الذي كان يملك حساً إدارياً جيداً، ونظرة مستقبلية، فعمل على البدء بالتغيير، معلناً قيام الدولة السعودية الأولى.

واهتمت الدولة بالدرعية وأسهمت مساهمة كبيرة في محاربة الجهل والأمية وشجعت على التعليم بشكل كبير، وهذا بدوره أدى إلى حنق الدولة العثمانية التي لم تكن لترضى عن هذه الإنجازات، لذلك سخرت طاقاتها لمحاولة إسقاط الدولة السعودية، وبعد حروب متواصلة استمرت نحو 7 سنوات، سقطت الدرعية عام 1233هـ/‏‏‏‏1818م، بعد حملة دمار وتخريب واسعة شنّها إبراهيم باشا ظلماً وعدواناً على الدرعية ومعظم قرى نجد، لتفكيك الوحدة المتأصلة في نفوس أهل الدرعية والمناطق المجاورة لها.

وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى، استطاع الإمام تركي بن عبدالله بعد نشاط متواصل استمر 7 سنوات أن يطرد الحاميات العثمانية من نجد ويحررها ويطهرها منهم ويدخل الرياض عام 1240هـ/‏‏‏‏1824م، واستطاع إعادة توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قياسية. وظلت الدولة السعودية الثانية تحكم المنطقة حتى عام 1309هـ/‏‏‏‏1891م. وبعد فراغ سياسي استمر حوالى 10 سنوات، وتحديدًا في 5 شوال 1319هـ/‏‏‏‏1902م، تمكن الملك عبدالعزيز من استرداد الرياض والعودة بأسرته إليها، ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، وقيام دولة سعودية حديثة، تمكنت من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية وتحقيق منجزات حضارية واسعة في كل المجالات. وفي 17 جمادى الأول عام 1351هـ، الموافق 23 سبتمبر 1932، أعلن الملك عبدالعزيز قيام المملكة العربية السعودية بعد ملحمة تاريخية استمرت 30 عاماً، وحكم بعده أبناؤه الملوك الذين كان لهم دور كبير في وضع لبنات البناء والاستقرار والحزم والعزم.

وتخليداً لهذه الملاحم البطولية التي اضطلعت بها الدرعية بدءاً من تأسيس الدولة السعودية الأولى حتى العصر الحاضر، جاء اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالدرعية، إذ ركز الجهود من أجل الارتقاء بها وإعادة تأهيلها، لتكلل هذه الجهود المباركة بتأسيس هيئة تطوير بوابة الدرعية 1438هـ/‏‏‏‏2017م.

انطلاقة نحو العالمية

وأكد الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير بوابة الدرعية جيري إنزيريّو أن تدشين بوابة الدرعية يعتبر حدثاً عالمياً بكل المعايير كون الدرعية تعتبر موقعاً تاريخياً مهماً في المملكة؛ واستمدت قوتها من منطلقاتها من الرؤية ٢٠٣٠ التي أوصلت المملكة إلى مصاف العالمية. وأضاف جيري أن اهتمام خادم الحرمين الشريفين الكبير بمنطقة الدرعية ليس وليد اليوم وإنما يعود لعقود ماضية.

وتابع قائلاً: إن تدشين الدرعية هو الانطلاقة نحو العالمية حيث يتضمن موقعا تراثيا عالميا «حي الطريف»، الذي تم اعتماده من قبل منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربیة والثقافة كموقع تراث عالمي. وأردف، إن اليوم هو يوم الدهشة الإيجابية للعالم الذي سيمر من الدرعية التي تعتبر من أعرق المدن في العالم، وستتضمن واحدة من أكبر المدن الطینیة بالعالم لتجعل الدرعیة وجهة سیاحیة عالمیة خصوصا أن مشروع بوابة الدرعیة هو مشروع سیاحي ثقافي حیوي ضخم جدا یقام على مساحة 1.500.000م2.