الأمير سلطان بن سلمان مع رواد رحلة المكوك «ديسكفري».
الأمير سلطان بن سلمان مع رواد رحلة المكوك «ديسكفري».




العلم السعودي في رحلة القطب الجنوبي.
العلم السعودي في رحلة القطب الجنوبي.




الفريق السعودي المشارك مع ناسا.
الفريق السعودي المشارك مع ناسا.




إبراهيم عالم بالزي السعودي في القطب المتجمد.
إبراهيم عالم بالزي السعودي في القطب المتجمد.
-A +A
تقرير: د. رنا منير القاضي AlKadiRana@
قفزة نوعية حدت بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن إلى المرتبة الرابعة ضمن قائمة الجامعات الأبرز عالمياً، وفقاً لبراءات الاختراع المسجلة في مكتب براءات الاختراع الأمريكي، وحسب التصنيف السنوي للأكاديمية الوطنية الأمريكية للاختراعات، وجمعية أصحاب الملكية الفكرية.

وهو امتياز صعد بدرجات التعليم في المملكة العربية السعودية إلى المستوى العالمي في العلوم والمعرفة.


لطالما كانت البحوث العلمية من أهم إستراتيجيات الجامعة منذ تأسيسها، فكان لعلوم البحار والأرض والفضاء نصيب من براءات الاختراع في المجالات العلمية والتقنية والبحوث التطبيقية.

في عام 1985، شُكل فريق من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة؛ ليدعموا الأمير سلطان بن سلمان في رحلة المكوك الفضائي ديسكفري، بالتنسيق مع وكالة (ناسا)؛ المسؤولة عن البرنامج الفضائي للولايات المتحدة الأمريكية، الرائدة عالمياً في مجالها.

كان مشروع المكوك الفضائي من أهم المشاريع الرئيسة في علوم هندسة الطيران والفضاء، في أواخر السبعينات والثمانينات الميلادية، ففكرة إمكانية إعادة استخدام المكوك بعد إطلاقه، زادت من شغف البحث في هندسة الطيران والديناميكا الهوائية وعلوم الفضاء، بالإضافة إلى رصد سطح الكرة الأرضية.

كانت رحلة ديسكفري التي شارك فيها الرائد المسلم والعربي الأول الأمير سلطان بن سلمان، محط فضول العالم والباحثين في تلك الفترة الزمنية. فقبل رحلة الانطلاق إلى الفضاء الخارجي من مدينة هيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية، تم تجهيز فريق علمي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بتخصصات مختلفة؛ لإجراء الدراسات العلمية والتجارب التطبيقية في مجالات مختلفة تخص الرحلة في علوم الفيزياء والميكانيكا والكيمياء والجيولوجيا وعلوم الحاسوب والتقنيات. فكان هدف اكتشاف عالم الفضاء توجهاً مشتركاً من قبل الفريق العلمي الجامعي ووكالة ناسا الأمريكية.

تضمن الفريق شخصيات تقلدت مناصب وزارية للدولة في زمن لاحق، فكان ضمن المجموعة: وزير الاتصالات وتقنية المعلومات ورئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم التقنية سابقاً الدكتور محمد إبراهيم السويل (تخصص علوم الحاسب الآلي)، ووزير التجارة والصناعة سابقاً ورئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة الدكتور هاشم عبد الله يماني، ووزير الدولة ورئيس المؤسسة العامة للموانئ سابقاً الدكتور عبدالعزيز إبراهيم المانع (تخصص هندسة مدنية)، والأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد آل سعود رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (تخصص هندسة الفضاء والطيران)، ووكيل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ثم مدير جامعة الجوف سابقاً الدكتور محمد بدير (تخصص هندسة الطيران والفضاء).

كما تضمن الفريق العلمي متخصصين من أقسام أخرى منهم: رئيس الفريق العلمي الدكتور عبدالله الدباغ (المتخصص في علوم الجيولوجيا والمعادن)، ونائب رئيس الفريق العلمي الدكتور منصور ناظر (المتخصص في الهندسة الميكانيكية)، الدكتور نورالدين عباس (المتخصص في الهندسة الكيميائية)، والدكتور زيني الساعاتي (المتخصص في العلوم الإلكترونية)، والدكتور ناصر الحميد (المتخصص في رصد سطح الكرة الأرضية)، والدكتور عدنان نيازي (باحث رصد والمتخصص في علوم الأرض)، والدكتور حمزة عصر (المتخصص في هندسة البترول)، والدكتور محمد الفعر (المتخصص في الكيمياء)، والأستاذ عبدالقادر السري (المتخصص في علوم الجيولوجيا)، والدكتور علي أبو صالح (المتخصص في الفيزيولوجيا)، ورئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية سابقاً -المغفور له بإذن الله- الدكتور محمد أسعد توفيق (المتخصص في علوم الجيولوجيا)، وعضو مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لصندوق الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتنمية المرأة حسن الجاسر، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور سعد الراجح (اختصاصي أمراض الأعصاب)، والبديل المرادف للأمير سلطان بن سلمان في حالة الطوارئ الرائد الطيارعبدالمحسن البسام (اختصاصي حمولة احتياطي).

إنجاز أول رائد فضاء عربي

على الرغم من كون الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود كان أصغر رائد فضاء عمراً في تلك الفترة الزمنية، حيث كان في الثامنة والعشرين، وأحد عشر شهراً، وواحد وعشرين يوماً، إلا أن إنجازه العلمي في رحلة المكوك الفضائي ديسكفري رفع اسم المملكة العربية السعودية في علوم الفضاء، وأضاف إلى تاريخها العلمي عالمياً. فبعد كارثة مكوك الفضاء تشالنجر Challenger التي حدثت سنة 1986، وتسببت في مقتل سبعة من روّاد الفضاء، نتج عنها توقف للرحلات الفضائية، مما جعلت رحلة ديسكفري هي آخر الرحلات العلمية لفترة من الزمن، وتمت الاستعاضة عنها بإطلاق الأقمار الصناعية بدلاً من رحلات المكوك الفضائية.

استكشاف القطبين

استمرت العلوم بالصعود في جامعة الملك فهد، وكانت رحلة الدكتور إبراهيم عالم إلى القطب الجنوبي، إضافة علمية للمملكة العربية السعودية.

ففي سنة 1989، شاركت خمسة بلدان دولية من ضمنها: الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، فرنسا، إسبانيا واليابان، والمملكة العربية السعودية الوحيدة من البلدان العربية التي ضمتها المجموعة. وثق الدكتور إبراهيم عالم الذي كان بصحبته وقتها الدكتور مصطفى معمر من جامعة الملك عبدالعزيز، بنصب العَلم السعودي حال وصولهما إلى النقطة القصوى من جزء العالم المتجمد من الأرض جنوباً، ساجدين إلى الله عز وجل حمدا وشكرا ومنة.

زادت تلك التجربة شغف الدكتور إبراهيم عالم لمعرفة القطب الشمالي، والمقارنة العلمية بين القطبين، فنسق رحلة علمية أخرى إلى القطب الشمالي، والذي اختلفت بقلة نسبة وصول أشعة الشمس. لم تقتصر التجربة على التكيف مع تجمد المكان والظروف المناخية، ولكن إجراء التجارب العلمية لقرب المنطقة من القطب المغناطيسي الشمالي والذي يجذب عادة إبرة البوصلة، التي يعرف من خلالها اتجاه القبلة.

ريادة العلوم النفطية

تبنت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الألفية، مسؤولية تزويد الصناعات العالمية بعلوم البترول ومشتقاته، فأصبح اسمها رائداً في تخصص العلوم النفطية. ومما لا شك فيه أن الموارد الضخمة للبترول والمعادن في المملكة العربية السعودية تشكل تحدياً مهماً؛ لمواجهة تحديات العالم في مجالات الصناعات المعدنية والنفطية، والتعليم التقني، كما أن التركيز على مجالات الطاقة المتجددة أصبح اهتماماً خاصاً من قبل الباحثين.

في سنة 2006، تم تأسيس أكبر تجمع عالمي لمراكز أبحاث النفط والغاز، أطلق عليه اسم (وادي الظهران للتقنية)، وهو أحد المشاريع الرائدة التي تواكب تطبيقات وفكرة الاقتصاد المعرفي. يستقطب وادي الظهران للتقنية أهم الشركات العالمية في صناعة النفط والغاز، والبتروكيماويات، وكل المجالات المرتبطة بهم، ويعد أكبر مجمع تقني في العالم لتطوير تقنيات صناعة النفط والغاز.

أبحاث تكنولوجيا النانو

تتجه اليوم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن توجهاً جاداً نحو علوم وبحوث تكنولوجيا النانو من خلال تطوير برنامج؛ لإجراء الأبحاث على مستوى عالمي في علم النانو، الذي يهتم بخواص المواد، والذي شاع اسمه باسم: تقنية الصغائر، فبعدما انتشرت صناعة الشرائح التقنية في الخمسينات الميلادية، والتي أدت إلى اختراعات الحاسوب، والهواتف النقالة، والساعات الرقمية، بما في ذلك الإنترنت. كل تلك الاحتياجات والزيادات في الاستخدام، أدت إلى التطويرالتقني؛ للوصول إلى الجزيئات المتناهية الصغر، وهي ما يطلق عليها علوم تقنية النانو. أصبح علم تقنية النانو محط الاهتمام بشكل كبير عالمياً؛ لذلك وضعت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن جهودها في هذا المجال؛ لتتقدم في مجال التطوير العلمي والتكنولوجي، وتكون رائدة في علوم التقنيات الحديثة، ومنبراً للتميز البحثي.

لقد أصبح هذا الصرح التعليمي الذي تأسس في الستينات الميلادية يقود العالم في العلوم وبراءات الاختراع اليوم، مساهماً في علوم أعماق آبار البترول والمعادن، وفضاء السماء ومدار الأرض، إلى أقصى نقاط تجمد الأرض شمالا وجنوبا، حتى الجزيئات المتناهية في الصغر.

ألا يحق لنا أن نفخر بالجامعة السعودية العريقة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، التي وصلت بإنجازاتها ونشاطاتها اليوم مع امتداد تاريخها إلى المرتبة الرابعة عالمياً ضمن ترتيب جامعات العالم.