-A +A
تقرير: خالد عباس طاشكندي Khalid_Tashkndi@
في سابقة تاريخية على صعيد السياسة الأمريكية، صوّت مجلس النواب الأمريكي للمرة الثانية على عزل الرئيس دونالد ترمب، أمس الأول (الأربعاء)، بأغلبية 231 صوتاً مقابل 197 صوتاً، بعد أن أقرَّ المجلس مشروع قانون لعزله من منصبه بسبب «جرائم وجنح جسيمة» وتم تعريفه باسم «قانون H.Res. 24»، وتضمن قرار العزل تهمة «التحريض على التمرد ضد الحكومة الأمريكية» عقب اتهامه من قبل الديموقراطيين بتأجيج أعمال الشغب التي أفضت إلى اقتحام مبنى الكابيتول (الكونغرس) في العاصمة واشنطن الأسبوع الماضي أثناء جلسة التصديق على نتائج الانتخابات التي فاز بها الرئيس المنتخب جو بايدن، ووصل المتظاهرون إلى القاعة الرسمية للمبنى قبل تدخل قوات الحرس الوطني وقيامها بفرض حظر تجول في العاصمة واشنطن، فيما أسفرت الأحداث عن مقتل 5 أشخاص. وبذلك أصبح ترمب أول رئيس في التاريخ الأمريكي يتم التصويت على عزله مرتين من قبل مجلس النواب، إذ سبق أن صوت 230 من نواب المجلس في 18 ديسمبر 2019، غالبيتهم من الديموقراطيين، لصالح عزل ترمب مقابل 197 صوتاً، وذلك على خلفية اتهامه بإساءة استخدام النفوذ وعرقلة عمل الكونغرس، ولكن برأه لاحقاً مجلس الشيوخ من التهمتين في 5 فبراير 2020.

وخلال محاولة عزل ترمب الأولى، التي باءت بالفشل العام الماضي، كان غالبية أعضاء الحزب الجمهوري معارضين لإجراءات العزل التي أقدم عليها مجلس النواب، ولكن تشهد إجراءات العزل الحالية انقساماً في الآراء داخل الحزب الجمهوري حول الرئيس ترمب الذي تنتهي ولايته في 20 يناير الجاري، إذ أدان الكثير من الجمهوريين حادثة اقتحام مبنى الكابيتول وسلوك الرئيس ترمب، وهو ما سيعقد المشهد السياسي خلال الفترة القادمة، لأن الإجراءات اللاحقة وفقاً للنظام ستتطلب عقد مجلس الشيوخ جلسة محاكمة للرئيس ترمب من الأرجح أن إجراءاتها ستمتد إلى ما بعد استلام جو بايدن مهمات الرئاسة، وهو ما سيخلق المزيد من الانقسامات بين الحزبين قد تنذر بالكثير من التداعيات السلبية على جميع الأصعدة. من خلال هذا التقرير تستعرض «عكاظ» آلية عزل الرئيس الأمريكي والتوقعات المحتملة في ضوء الأيام القليلة المتبقية من فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، ولماذا ستستمر إجراءات العزل حتى بعد انتهاء فترة حكمه ورحيله عن البيت الأبيض.


فشل تفعيل التعديل الدستوري 25

قبل تصويت مجلس النواب الأمريكي على عزل ترمب بتهمة تحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول والقيام بأعمال عنف، طالب المجلس نائب الرئيس مايك بينس بتفعيل «التعديل الخامس والعشرين» في الدستور لعزل الرئيس، وتنص هذه المادة الدستورية التي اعتمدت عام 1967 بهدف تحديد الأحكام الخاصة بنقل السلطة من رئيس أمريكي يتوفى أو يستقيل أو يعزل من منصبه أو لأسباب متعلقة بعدم قدرته على أداء مهماته، على إمكانية عزله قبل انتهاء ولايته، وذلك في حال قدّم «نائب الرئيس وغالبية الموظفين الرئيسيين في الوزارات التنفيذية أو أعضاء هيئة أخرى، إلى رئيسي مجلس الشيوخ والنواب، تصريحهم الخطي بأن الرئيس عاجز عن القيام بسلطات ومهمات منصبه، ويتولى حينها نائب الرئيس سلطات ومهمات المنصب كرئيس بالوكالة».

وتتناول الفقرة الرابعة من المادة 25 موقفاً يقرّر فيه نائب الرئيس وأغلبية أعضاء مجلس الوزراء أن الرئيس لم يعد بمقدوره أداء مهماته، ولم تطبق هذه الفقرة مسبقاً في التاريخ الأمريكي، إلا أن نائب الرئيس مايك بنس قطع الطريق على محاولات مجلس النواب بإعلانه رفض تفعيل تعديل المادة، قائلا: «لا أعتقد أن مثل هذا الإجراء يصب في مصلحة أمتنا أو يتفق مع دستورنا».

واستخدم هذا التعديل الدستوري 3 مرات في التاريخ الأمريكي في حالات متعلقة بإجراء الرؤساء لعمليات جراحية تطلبت نقل السلطة إلى نوابهم، حيث كانت الحالة الأولى عام 1985 في عهد الرئيس رونالد ريغان لإجرائه عملية جراحية لإزالة ورم سرطاني وعين مكانه حينها نائب الرئيس جورج بوش الأب رئيساً بالوكالة لثماني ساعات فقط، والحالة الثانية والثالثة كانتا في عهد الرئيس جورج بوش الابن، حيث نقل السلطة مؤقتاً إلى نائبه ديك تشيني في يونيو 2002 ويوليو 2007 خلال إجراء عملية منظار للقولون تحت التخدير الكامل.

كيفية إتمام عملية العزل

بعد أن قام مجلس النواب الأمريكي بالتصويت لصالح قرار اتهام الرئيس دونالد ترمب، بالتحريض على أعمال الشغب التي أدت إلى اقتحام مبنى الكابيتول، سيدعو زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، إلى عقد جلسة في مجلس الشيوخ لمحاكمة ترمب، ويتطلب قرار العزل تصويت أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، أي أن 17 جمهورياً على الأقل يجب أن يقوموا بالتصويت مع الديموقراطيين في الغرفة العليا من البرلمان في الجناح الشمالي لمبنى الكابيتول والمكونة من 100 مقعد، وإذا تمت إدانته في مجلس الشيوخ، فهذا يعني أنه لن يكون بمقدوره الترشح مجدداً للرئاسة أو أي منصب انتخابي.

وبالرغم من أن وسائل إعلامية أمريكية قالت إن نحو 20 من الجمهوريين في مجلس الشيوخ سيصوتون ضد ترمب، إلا أن تقريراً أعدته جايمي جانغال في قناة «سي إن إن» الأمريكية أكدت من خلاله أن كثيراً من الجمهوريين سيحجمون عن التصويت خشية على حياتهم وحياة أسرهم بسبب ما شاهدوه من أعمال عنف من قبل أنصار الرئيس ترمب.

لن يبعد من منصبه

جميع المؤشرات حول إجراءات عزل ترمب تشير إلى أنه من غير الممكن منطقياً وعملياً إبعاده من منصبه خلال الفترة المتبقية من حكمه، فإجراءات محاكمة الرئيس الأمريكي في مجلس الشيوخ من المستبعد انعقادها قبل انتهاء فترة حكمه، إذ أكد ذلك زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل، في بيان صدر عنه أخيراً وقال فيه إن محاكمة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب لن تبدأ إلا بعد 19 يناير، ومن هذا المنطلق فإن المحاكمة لن تقام فعلياً قبل رحيل ترمب عن البيت الأبيض.

كما أن محاكمة ترمب في مجلس الشيوخ حتى في حالة إقرارها بشكل عاجل خلال الأيام المتبقية من فترة رئاسته، فالأرجح أنها لن تنتهي خلال الفترة المتبقية، وذلك قياساً بمدة جلسات محاكمات عزل الرؤساء السابقة في التاريخ الأمريكي، فقد تعرض 3 رؤساء أمريكيين سابقين لمحاكمات عزل داخل مجلس الشيوخ جميعها لم تنجح واستغرقت جلسات محاكماتها ما بين 21 يوماً إلى أكثر من 70 يوماً.

وكان الرئيس السابع عشر للولايات المتحدة الديموقراطي أندرو جونسون عام 1868 أول رئيس يتعرض إلى محاولة عزل من منصبه،

وذلك بعدما أصدر الكونغرس قانون «حيازة المنصب»، الذي قيد مساعيه لفصل عدد من المسؤولين الحكوميين المعينين من قبل سلفه الجمهوري أبراهام لنكولن، لكنه خالف القانون بإقالة وزير الحرب إدوين ستانتون، الأمر الذي دفع مجلس النواب إلى التصويت لصالح سحب الثقة عنه، فتمت محاكمته في مجلس الشيوخ، ولكنها استغرقت أكثر من 70 يوماً في الفترة ما بين 5 مارس إلى 16 مايو من عام 1868ولم يعزل من منصبه بناء على التصويت.

وكانت محاولة العزل الثانية في التاريخ الأمريكي للرئيس السابع والثلاثين الجمهوري ريتشارد نيكسون عام 1974، وجاء ذلك بعد أن أقرت اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي، 3 تهم، وهي: عرقلة العدالة، وإساءة استخدام السلطة، وعرقلة عمل الكونغرس، وجميعها مرتبطة بما عرف حينها باسم «فضيحة ووترغيت» المتعلقة بالتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي، ولكن استقال نيكسون قبل أن يصوت مجلس الشيوخ على عزله بعد محاكمة دامت نحو 37 يوماً.

كما فشلت محاولة العزل الثالثة، بعدما برأ مجلس الشيوخ في 12 فبراير 1999 الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة، الديموقراطي بيل كلينتون، من التهمة الموجهة إليه على خلفية علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، واستغرقت محاكمته داخل المجلس نحو 21 يوماً.

وبالتالي فإن جلسات محاكمة ترمب في مجلس الشيوخ التي من المرجح أن تستمر بعد تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه، وسيكون الهدف من إدانته منعه من الترشح مجدداً للرئاسة. سياسات السوشيال ميديا تعزل ترمب دفعت تداعيات اقتحام مبنى الكابيتول الأسبوع الماضي وأحداث العنف التي صاحبته عددا من منصات التواصل الاجتماعي إلى اقتحام المشهد السياسي بتعليق حسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في منصات فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، وسناب تشات، ويوتيوب، إما بصورة مؤقتة أو إلى أجل غير مسمى أو نهائياً، وذلك عقب مخاطبته للمتظاهرين المناصرين له على وسائل التواصل بقوله: «أنا أحبكم» قبل أن يطلب منهم العودة إلى منازلهم، إضافة إلى استمراره في نشر مزاعم تزوير الانتخابات، وهو ما أفضى إلى قيام موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بإغلاق حسابه الرسمي نهائياً وخسارة الرئيس لأكثر من 88 مليون متابع عبر منصته المفضلة، كما أعلنت شبكة «سناب تشات» اتخاذها خطوة مشابهة إذ أغلقت حسابه الرسمي بصورة نهائية بعد تعليقه مؤقتاً لمدة أسبوع، فيما علق «فيسبوك» حساب ترمب إلى أجل غير مسمى.

وحاول الرئيس ترمب التغريد في منصة تويتر عبر الحساب الرسمي لرئيس الولايات المتحدة (POTUS)، وهي الأحرف الأولى لعبارة رئيس الولايات المتحدة، لكن تم حذف التغريدات، وأوضحت إدارة تويتر أن «استخدام حساب آخر في محاولة للالتفاف على حسابٍ تمّ سابقاً تعليقه هو أمر مخالف لقوانين تويتر»، في حين أكدت إدارة «فيسبوك» أن تجميد حساب الرئيس الأمريكي سيستمر بسبب مخالفته لسياسات الموقع. كما علق موقع «يوتيوب» قناة ترمب على المنصة لمدة أسبوع بسبب اتهامات بنشر مقطع فيديو يحرض على العنف، وينتهك سياسات المنصة، وأكدت إدارة «يوتيوب» إزالة المقطع ولكنها رفضت نشر تفاصيل حول الفيديو الذي تسبب في حظر ترمب من على المنصة.

ورغم أن الرئيس ترمب لا يستخدم منصة التواصل «بارلر» إلا أن شركات قوقل وأمازون وأبل، قامت بإزالة التطبيق من المتاجر الخاصة بها بحجة أنه يتمتع بشعبية واسعة بين أنصار ترمب، ويخالف سياستها بالترويج للعنف.

وفي واقع الأمر، ساهمت هذه الخطوات التي اتخذتها شركات التواصل الاجتماعي في خلق حالة من الانقسام العالمي في الآراء حول حجب «حرية التعبير»، وادعاءات بحملها لأجندات خفية تميل إلى اليسار الراديكالي المعادي للرئيس ترمب، هذا إضافة إلى سياسة «الكيل بمكيالين» ضد الرئيس الأمريكي المنهية ولايته، ففي الوقت الذي جمدت فيه تويتر وفيسبوك حسابات الرئيس ترمب تغاضت عن غلق حسابات تابعة لنظام الملالي وأعداد كبيرة من الحسابات التي يديرها إرهابيون ومتطرفون حول العالم.

مسيرة ترمب مع الأرقام القياسية.. سلباً وإيجاباً

منذ وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2017، وهو يحقق أرقاما قياسية على مختلف الأصعدة والمستويات، وهذه الأرقام متفاوتة في مدى إيجابيتها وسلبيتها.

ووفقاً لاستطلاعات رأي أجرتها مؤسسة «غالوب» الأمريكية في ديسمبر 2018، حظي ترمب بنسب قبول منخفضة خلال الأشهر العشرة الأولى من توليه المنصب، إذ لم تتجاوز نسبة تأييده 37% فقط من الأمريكيين، فيما يعارضه ويختلف مع سياساته 59%، وهي أقل نسبة بين رؤساء الولايات المتحدة شعبيةً خلال الأشهر العشرة الأولى من تولي منصب الرئاسة.

وسجلت إدارة الرئيس ترمب أكبر معدل لرحيل مسؤولين في البيت الأبيض سواء بالإقالة أو الاستقالة، وبحلول نهاية عامه الأول في الرئاسة، استقال 34% من موظفي إدارة ترمب الأصليين أو طُردوا أو أُعيد تعيينهم، وحتى مارس 2018، تغيّر الموظفون في 43% من المناصب الرفيعة في البيت الأبيض، وكان معدل تغيّر الموظفين في إدارته خلال أول سنتين ونصف أعلى من معدل التغيير في إدارات الرؤساء الخمسة السابقين طوال فترة ولايتهم بأكملها.

وبحلول أكتوبر 2019، كان واحداً من بين كل 14 سياسياً يعينه ترمب عضواً سابقاً في جماعات الضغط؛ وفي أقل من 3 سنوات على رئاسته كان قد عيّن أكثر من 4 أضعاف من عيّنهم الرئيس السابق باراك أوباما من جماعات الضغط على مدار السنوات الست الأولى من توليه المنصب، وقد غادر إدارته نحو 60 مسؤولا في أول عامين له بالحكم، من بينهم وزيرا الدفاع جيمس ماتيس ومارك أسبر، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير العدل جيف سيشنز، ومستشار الأمن القومي جون بولتون.

وعلى صعيد الوظائف، حققت إدارة ترمب أعلى معدل لتوفير الوظائف خلال شهر واحد، إذ أفاد مكتب إحصاءات العمل في أكتوبر 2018 أنه تم توفير 7.1 مليون فرصة عمل خلال شهر أغسطس من العام 2018، وهو أعلى معدل لتوفير الوظائف يتحقق في شهر واحد، ولكن حين خسر ترمب الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر فقد أصبح أول رئيس أمريكي يغادر البيت الأبيض بعدد وظائف أقل من المستوى الذي كان قبل توليه الحكم.

وحقق ترمب خلال ولايته أدنى معدل بطالة في نصف قرن، وكان ذلك في فبراير 2020، حيث بلغ المعدل 3.5%، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من 5 عقود، وحقق في عام 2019 ثاني أكبر انخفاض للفقر في التاريخ الأمريكي، بنحو 4.2 مليون شخص مقارنة بالعام الذي سبقه، وفقاً للبيانات الرسمية، وكان أكبر انخفاض في عام 1966 أثناء إدارة الرئيس ليندون بي جونسون، عندما انتشل ما يقرب من 4.7 مليون شخص من الفقر.

وسجل عهد ترمب أطول مدة إغلاق للمؤسسات الحكومية جزئياً في ديسمبر 2018 واستمر لمدة 34 يوماً؛ بسبب اعتراض الديموقراطيين على تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك الذي طالب به ترمب.

ويعتبر ترمب أكثر الرؤساء استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً موقع تويتر، وكان ترمب قبل إغلاق حسابه في تويتر هو الرئيس الأكثر متابعة على مستوى العالم، والأكثر تغريداً بـ57 ألف تغريدة.

ولا تزال بيانات 2020 تدقق ولم تكتمل بعد، وربما ستظهر المزيد من الأرقام القياسية، سلباً وإيجابياً حول فترة الرئيس ترمب التي تعد من بين الأكثر تقلباً وجدلاً في التاريخ الأمريكي.