خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مخاطباً قادة العالم في القمة الاستثنائية في مارس الماضي. (عكاظ)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مخاطباً قادة العالم في القمة الاستثنائية في مارس الماضي. (عكاظ)




المقر الذي تجرى فيه اجتماعات قمة العشرين من الرياض، ويبدو في الصورة مسؤولو وزارة السياحة السعودية أثناء اجتماع وزراء السياحة لمجموعة العشرين أخيرا.
المقر الذي تجرى فيه اجتماعات قمة العشرين من الرياض، ويبدو في الصورة مسؤولو وزارة السياحة السعودية أثناء اجتماع وزراء السياحة لمجموعة العشرين أخيرا.




باتت الصورة الرقمية التي تضم وفود الدول، علامة فارقة لاجتماعات المجموعة في زمن الجائحة.
باتت الصورة الرقمية التي تضم وفود الدول، علامة فارقة لاجتماعات المجموعة في زمن الجائحة.
-A +A
أنس اليوسف (جدة) 20_anas@
بدأ العد التنازلي لأسبوع قمة قادة مجموعة العشرين، المقررة في 21-22 نوفمبر، التي تقام لأول مرة عن بعد، نظرا للظروف الاستثنائية لجائحة كورونا، فالعالم على بعد أيام من قمة غير مسبوقة لن تكون السياسة موضوعاً رئيسياً فيها، في وقت تسيطر الجائحة على توجهات العالم وأذهان القادة ومستقبل الشعوب. وعلى أن الرئاسة السعودية للمجموعة، التي بدأت في ديسمبر 2019، قد جهزت برنامج عمل طموح يستهدف تمكين الإنسان والحفاظ على الكوكب، بيد أن الجائحة أبت أن تكون سنة الرئاسة السعودية اعتيادية، وخلافا لما يشغل أذهان الدولة المستضيفة في كل عام، غزت جائحة كورونا جميع اجتماعات مجموعة العشرين، حتى باتت موضوعا رئيسيا في نقاشات المجموعة، ولم يسلم قطاع من آثار الوباء العالمي، وأصبح طريق التعافي هو الهاجس للجميع. وباعتبار السعودية رئيسة للمجموعة في 2020، قادت العالم لمسار النهوض والاتحاد لصد تبعات الجائحة قدر الإمكان، وتمكنت المملكة من كسب تأييد واسع من دول المجموعة في قرارات مكافحة الفايروس.

ومن منطلق نظرة بعيدة المدى وشمولية لكافة القضايا، جاء الهدف العام لبرامج رئاسة المملكة لمجموعة العشرين؛ وهو اغتنام فرص القرن الـ21 للجميع، لخدمة جميع دول العالم وليس دول العشرين فقط وكل فئات المجتمع. وطرحت المملكة بفضل موقعها المميز الذي يربط ثلاث قارات هي أوروبا وآسيا وأفريقيا، وجهات نظر فريدة من نوعها على طاولة مجموعة العشرين. ومنذ 2018، انتمت المملكة إلى ترويكا مجموعة العشرين، ما منحها الدور المتزايد في صياغة السياسات وتجاوز التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.


وأفضت عضوية المملكة في المجموعة إلى تنسيق وإصلاح بعض السياسات في عدد كبير من المجالات المالية والاقتصادية، ما يدفع إلى مزيد من التطوير للقطاعات المالية والاقتصادية، ويصب في نهاية المطاف في مصلحة المملكة واقتصادها. والمشاركة السعودية في أكبر مجموعة اقتصادية في العالم تعتبر ثقة واعترافا غير مسبوق بأهمية دور المملكة الاقتصادي ليس في الوقت الحاضر فحسب وإنما في المستقبل أيضا.

وتسعى السعودية، التي تعد قوة رائدة لإرساء سياسة حكيمة في مجال النفط، إلى تحقيق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، من خلال دعم أسعار منصفة للنفط للمساهمة في الحفاظ على النمو العالمي وتحقيق مصالح المنتجين. وتشكل المملكة، من خلال قدرتها التصديرية العادية والاحتياطية صمام أمان بمواجهة أي اضطراب في الأسواق العالمية، رغم ظروف الجائحة الصعبة.

كيف أثرت جائحة كورونا على أجندة الرئاسة السعودية ؟

لم يكن ليتوقع الشربا السعودي الدكتور فهد المبارك، وهو يصف فايروس كورونا بأنه أحد التحديات التي تتدارسها اجتماعات مجموعة العشرين هذا العام باعتباره حدثاً طارئاً على العالم خلال حديثه في الملتقى الإعلامي الأول للجنة الإعلامية لمجموعة العشرين G20 في منتصف فبراير الماضي، أن يمتد تأثيره إلى حدٍّ يعيد ترتيب أولويات أجندة أعمال اجتماعات وزراء ومسؤولي قمة العشرين، ويغير من شكل اجتماعات القمة إلى صور افتراضية كل من دولته.

وعلى رغم أن الفايروس ضرب الصين في بدايات 2020، إلا أن اجتماعات مجموعة العشرين استمرت في السعودية، حتى شهر مارس، إذ انعقد آخر اجتماع فعلي في 12 مارس 2020، في مدينة الخبر، للممثلين الرسميين لقادة دول مجموعة العشرين (الشربا)، الذين تباحثوا حول مستجدات الوباء الطارئ، بعد إعلان منظمة الصحة العالمية تصنيف الوباء «جائحة عالمية». وأعلنت الرئاسة السعودية، حينها في 12 مارس، حرصها على مواصلة الجهود الدولية في التعزيز والدعم والتنسيق للتصدي للآثار الإنسانية والاقتصادية الناجمة عن الفايروس. ووضعت ترتيبات جديدة للاجتماعات المقررة في شهر مارس، على أن يتم تأجيل بعضها وعقد البعض الآخر عن بُعد.

وسرعان ما دعت المملكة إلى عقد قمة استثنائية لقادة مجموعة العشرين حول الفايروس؛ لتوحيد الجهود الدولية لمكافحة الوباء. وأظهرت المملكة من خلال ترؤسها دول مجموعة العشرين في هذا الظرف الحساس والتحدي الكبير قدرة على التعامل الحازم والسريع مع كل المتغيرات الإقليمية والدولية. واستشعرت المملكة مبكراً أن آثار جائحة كورونا تتجاوز إطارها الصحي المحلي في كل دولة إلى إطار عالمي أضر بأسواق المال والأعمال والنفط والتجارة. وقادت المملكة، من خلال المجموعة، تنسيقاً دولياً فاعلاً واسع النطاق للحد من آثار الجائحة وحماية الأرواح والوظائف وإعادة الرخاء الاقتصادي لدول العالم. وعملت على مواءمة أجندتها لمواجهة الجائحة خلال العام، إذ كان لقمة القادة الاستثنائية دور رئيس في رسم خطوط واضحة لاتخاذ إجراءات فاعلة لحماية الإنسان والاقتصاد. وضخت دول المجموعة ما يزيد على 11 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي، وتعهدت بأكثر من 21 مليار دولار أمريكي لدعم تطوير اللقاحات، واتفقت على الالتزامات بضمان تدفق الإمدادات الطبية والمنتجات الزراعية عبر الحدود وسط ظرف استثنائي غير مسبوق.

مجموعات التواصل في 2020.. الأعلى مشاركة

في ملمح مهم في إطار عمل مجموعة العشرين، تمثل «مجموعات التواصل» صوت شرائح مختلفة ومتعددة من المجتمع المدني في دول العشرين. ويقوم نموذج عمل مجموعات التواصل على عقد اجتماعات دورية لمناقشة التحديات التي تواجه كل مجموعة حسب اختصاصها، حتى انعقاد قمة ختامية للمجموعة ترفع خلالها بيانا ختاميا يشتمل على توصيات عدة لقادة دول العشرين. ويرأس مجموعات التواصل مؤسسات غير حكومية ومستقلة في الدولة المستضيفة، بهدف أساس يرتكز على عدم تأثير الحكومات في آراء مجموعات التواصل. ونمت على مر السنين أعداد مجموعات التواصل المرتبطة بالمجموعة، وبدأت بمجموعة الأعمال B20 في كوريا الجنوبية 2010، ووصل عددها إلى 8 مجموعات في اليابان 2019، وتعمل ذات المجموعات الـ8 في سنة الرئاسة السعودية. وإلى جانب مجموعة الأعمال، هناك، مجموعة الشباب Y20، مجموعة العمل L20، مجموعة الفكر T20، مجموعة المجتمع المدني C20، مجموعة المرأة W20، مجموعة العلوم S20، ومجموعة المجتمع الحضري U20.

وبحكم أعراف وبروتوكولات المجموعة، تمنح الدولة المستضيفة مجموعات التواصل فرصة المشاركة في الاجتماعات الوزارية واجتماعات فرق العمل والشربا في إطار جدول الأعمال الرئيسي للمجموعة.

وأظهرت الأرقام الرسمية لاجتماعات مجموعة العشرين في سنة الرئاسة السعودية، مشاركة واسعة لمجموعات التواصل على مستوى اجتماعات G20 ومشاركة ممثلين حكوميين في اجتماعاتهم. وكشفت أرقام مشاركة مجموعات التواصل في 2020، أنها الأعلى مقارنة بالسنوات الماضية، ما يعكس اهتمام الرئاسة السعودية بتمكين مجموعات التواصل بالمشاركة وإبداء الرأي وأداء أعمالهم. وعلى مؤشر استقلالية مجموعة التواصل فيما يخص إعداد توصياتها، حققت 3.8/‏4.

وفيما أنهت مجموعات التواصل أعمالها أخيرا، ورفعت توصياتها للقادة، برزت عدة صور إيجابية للبيانات الختامية للمجموعات، التي حققت نسب تأييد واعتماد عالية. إذ حظي البيان الختامي لمجموعة U20 برئاسة السعودية، بأعلى عدد تأييد، بواقع 39 مدينة حول العالم، وحضور 11 عمدة مدينة، وهما رقمان قياسيان لم يتحققا في النسخة الماضية. علاوة على وضع حجر الأساس لعدة مبادرات دولية ضخمة مثل مجلس سيدات الأعمال في B20 الأول من نوعه بالنسبة إلى المجموعة.

«كرم الضيافة السعودية».. العنوان الغائب !

كرر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، جملة محددة، في كلماته خلال تسلمه عدداً من البيانات الختامية لمجموعات التواصل، أوضح فيها أن المملكة كانت تأمل في استقبال وفود دول المجموعة ومختلف المنظمات العالمية في مدنها ليستمتعوا بكرم الضيافة السعودية، والاطلاع بشكل واقعي على التجربة السعودية والكرم الأصيل لدى شعبها، غير أن جائحة كورونا شكلت عائقاً أمام هذه الفرصة.

وكان معلوماً أن وزارة الثقافة وجهات أخرى بالتعاون مع الأمانة السعودية لمجموعة العشرين قد حضرت برامج ثقافية وخدمات متعددة تُظهر لضيوف المملكة الإرث والحضارة التي تتمتع بها السعودية.

وبالعودة إلى كلمات خادم الحرمين، للمشاركين من مختلف دول العالم في اجتماعات مجموعات التواصل، يؤكد الملك سلمان تطلع السعوديين إلى مجيء ضيوفهم للمملكة بعد انتهاء الجائحة، وقال خادم الحرمين نصّاً: «كنا نأمل أن تكون استضافة قمة مجموعة تواصل الفكر 20 حضورياً في الرياض، عاصمة المملكة، ولكن للأسف، منعتنا الجائحة من ذلك، ونتطلع إلى زيارتكم للمملكة بعد انتهاء الجائحة لتجدوا أجمل استضافة وتتمتعوا بالكرم الأصيل». وفي قمة مجموعة تواصل المجتمع الحضري 20، قال الملك: «كان أملنا أن تقام القمة حضورياً في المملكة العربية السعودية لنحتفي بزيارتكم وحضوركم، ولكننا متفائلون، ونتطلع إلى الالتقاء بكم وجهاً لوجه بعد انجلاء هذه الجائحة». وفي قمة مجموعة تواصل الشباب 20، ختم خادم الحرمين كلمته بالقول: «كنا نأمل أن تقام هذه القمة فعلياً في المملكة العربية السعودية التي تقوم بواجب الاستضافة، ولكننا نطمح لزيارتكم لنا هنا بعد انجلاء هذه الجائحة».

المبادرة التاريخية.. تعليق مدفوعات خدمة الدين

لا يتردد خبراء اقتصاديون في التأكيد على أن مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين أهم المبادرات المتفق عليها تحت رئاسة المملكة لمجموعة العشرين، بل يمكن وصفها بالمبادرة التاريخية، والتي لم يكن لتتم دون توافق عالمي وعمل دؤوب من الهيكل المالي في المجموعة لكبح آثار الجائحة على الاقتصاد العالمي. واجتمع صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي على أهمية وفعالية المبادرة، مؤكدين في بيان مشترك «أن المبادرة قوية وسريعة المفعول، ومن شأنها فعل الكثير لحماية حياة وسبل معيشة الملايين من الأشخاص الأكثر ضعفا حول العالم». وتستفيد 73 دولة من المبادرة، حتى منتصف 2021، مع إمكانية تمديدها لفترة 6 أشهر.

وتوفر المبادرة نحو 14 مليار دولار كسيولة آنية من الدول الدائنة في عام 2020، إضافة إلى أن مجموعة العشرين تعمل مع المنظمات الدولية لتكميل هذه الجهود، بما فيها بنوك التنمية متعددة الأطراف التي تعتزم تقديم 75 مليار دولار خلال الفترة من أبريل إلى ديسمبر 2020 للدول المستحقة للاستفادة من المبادرة، وذلك كجزء من التزامها بتقديم مبلغ 230 مليار دولار للدول الناشئة والنامية لدعمها في التصدي للتحديات الناشئة من الجائحة، إضافة إلى ذلك، ومنذ أواخر شهر مارس، ساهم صندوق النقد الدولي بتخفيف عبء الدين عن 28 دولة مستحقة للمبادرة، مع تقديم مساعدات مالية تفوق 88 مليار دولار.

160 اجتماعا و16 ألف مشارك

رغم ظروف الجائحة العالمية، أقامت رئاسة المملكة لمجموعة العشرين أكثر من 160 اجتماعا لكل من مسار الشربا والمسار المالي. وأقيم في مدن الرياض وجدة والدمام 40 اجتماعا خلال أشهر العام الأولى، قبل أن تضرب جائحة كورونا بيد من حديد لتحبس أنفاس العالم وتغلق حدود الدول والبلدان، لينتقل التواصل البشري «عن بعد»، إذ أقامت الرئاسة السعودية نحو 127 اجتماعا افتراضيا. وعملت الرئاسة السعودية جاهدة لاستمرار برنامج العمل الطموح للمملكة كما هو مخطط له بعد تعذر سفر الوفود وإجراءات الإغلاق العالمية، ونقلت المملكة بروتوكولات مجموعة العشرين في صور افتراضية، حتى أن الصور التذكارية التي اعتاد الوفود التقاطها في ختام اجتماعات المجموعة على منصة توضح موقع كل وفد، باتت إلكترونية في لقطة واحدة تضم داخلها عشرات النوافذ الصغيرة التي تنقل الصورة من عواصم العالم.

وامتازت سنة الرئاسة السعودية، بحسب أرقام موثقة وتقييم تجارب المشاركين في الاجتماعات الافتراضية والفعلية، بمستوى «رضا عال جداً» حول تجربة الوفود المشاركة في الاجتماعات المُنظمة من قبل الأمانة السعودية للمجموعة. وسجلت الأمانة السعودية، وفق أرقام اطلعت عليها «عكاظ»، معدل رضا بـ3.76/‏4 عن الاجتماعات الفعلية، ومعدل 3.67/‏4 عن الاجتماعات الافتراضية، وحافظ المعدل على تقييم مرتفع إجمالا خلال أشهر السنة. وبلغ إجمالي المشاركين في اجتماعات مجموعة العشرين 16.476 مشارك، 8.663 شاركوا في الاجتماعات الافتراضية، فيما شارك في الاجتماعات الفعلية 7.813.

5 مؤتمرات دولية أقيمت لأول مرة بقيادة المملكة

أطلقت المملكة على هامش عام الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين «برنامج المؤتمرات الدولية»، التي تنظم من خلاله مؤتمرات دولية تناقش موضوعات تتقاطع مع أولويات مجموعة العشرين، لكن بمشاركة منظمات ودول تمثل شرائح أكبر. وتقود المملكة البرنامج برؤية طموحة تستهدف استمرار عقد المؤتمرات دورياً على هامش القمم القادمة، وسط إمكانية تطوير آلية هذه المؤتمرات، لتكون ضمن الفعاليات الجانبية الرسمية في الدورات القادمة، ويعود الفضل في ذلك للسعودية على إنشائها المبادرة.

ومن المؤتمرات التي تقام لأول مرة لدول مجموعة العشرين الملتقى العالمي لاقتصاد الفضاء، والمنتدى العالمي لتحديات الملكية الفكرية، واجتماع اللجان الأوليمبية الوطنية، وقمة الرياض للمواصفات والمقاييس، والاجتماع الوزاري لوزراء الثقافة لدول مجموعة العشرين. ولم يقتصر البرنامج على المؤتمرات الـ5 المذكورة المتعلقة أساسا بدول مجموعة العشرين، بل امتد لأكثر من 30 مؤتمرا دوليا، بمشاركة واسعة، منها قمة مستقبل الضيافة والقمة العالمية للذكاء الاصطناعي، وقمة الرياض العالمية للصحة الرقمية وغيرها.