حلول مبتكرة لأزمة المياه.
حلول مبتكرة لأزمة المياه.




مختبر الهيدرولوجيا والرصد الأرضي (Halo) في كاوست.
مختبر الهيدرولوجيا والرصد الأرضي (Halo) في كاوست.
-A +A
«عكاظ» (جدة) okaz_online@
تمتلك معظم الدول أنظمة محددة لقياس استهلاك المياه العذبة في المنازل وإصدار الفواتير تبعاً لذلك، ولكن الموضوع يختلف تماماً عندما نتحدث عن الزراعة، التي تعد أكبر مستهلك للمياه العذبة في العالم، حيث لا يوجد أي نظام لضبط استهلاك مياه الري. فغالبية المزارعين يعتمدون على ضخ المياه الجوفية واستخدامها حسب الرغبة، وقد تكون الفاتورة الوحيدة التي يتم دفعها هي تكلفة الوقود اللازم لتشغيل المضخات.

ونظرًا للاستنزاف الحاصل في المياه الجوفية، والمخاوف المستقبلية المتعلقة بالأمن الغذائي والمائي، تبرز ضرورة ماسة لإيجاد نظام دقيق لضبط مياه الري الزراعية، وإعطاء المياه الجوفية الوقت الكافي لكي تتجدد في باطن الأرض. على سبيل المثال، احتياطيات المملكة من المياه الجوفية، التي يعود تاريخها إلى العصر الجليدي الأخير، نجد أنه يتم استهلاكها حالياً بشكل أسرع من قدرة الطبيعة على تجديدها. ما دفع الخبير في تقنية الاستشعار عن بعد في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) البروفيسور ماثيو ماكابي للبحث عن حلول مبتكرة لأزمة المياه العالمية، من خلال تطوير نظام لقياس وتحديد كمية المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة.


يعتقد ماكابي أننا يجب أن ننظر لاستخدامنا للمياه في الزراعة على أنه شيء مثل الحساب المصرفي، ويقول: «عندما لا تعلم حجم حسابك المصرفي، وتستمر في الإنفاق بصورة أسبوعية ولا توجد فاتورة شهرية لذلك، نجد أنفسنا أمام مشكلة حقيقية. وبالنظر لاستهلاكنا غير المحسوب للمياه الجوفية فإن المشكلة أعمق لأنها تضع أمننا الغذائي على المحك».

يرى ماكابي أن تقنية طائرات الدرونز قد تكون المفتاح لحل هذه المشكلة. وقد توصل لهذه النتيجة خلال عمله في مختبر الهيدرولوجيا والرصد الأرضي (Halo) في كاوست، حيث يجري أبحاثه في مجالات رسم خرائط للمناطق الزراعية، وتحديد نوع المحاصيل التي تتم زراعتها وصحتها، ومعدل استهلاكها لمياه الري.

ولتحديد معالم وتضاريس المنطقة المراد مسحها، يستخدم ماكابي وفريقه تقنيات ومعدات تصوير متنوعة كالدرونز، فضلاً عن الاستعانة بالأقمار الاصطناعية، إذ يتم تجهيز طائرة الدرونز بكاميرات حرارية وأجهزة استشعار يمكنها مراقبة، على سبيل المثال، محتوى الكلوروفيل والإجهاد المائي للنبات، كما يستخدم الفريق صورًا من أقمار اصطناعية صغيرة بحجم صندوق الفاكهة تسمى كيوب ساتس (CubeSats) من صنع شركة بلانت الأمريكية (Planet). وبذلك يمتلك الفريق المقومات اللازمة لتحليل صور الأراضي الزراعية بدقة ووضوح عاليين، تصل لـ3 أمتار للبيكسل يومياً.

الحصول على صور للأراضي الزراعية هو مجرد البداية فقط، إذ إن العمل الحقيقي يكمن في تحليل بيانات هذه الصور وتفسيرها، وهنا يأتي دور وخبرة مختبر الهيدرولوجيا والرصد الأرضي في كاوست، حيث يقوم ماكابي وفريقه باستخدام التعليم الآلي والذكاء الاصطناعي، لتحديد ووصف حقول زراعية محددة، والخروج بنتائج مقاسة بالتيرابايت والبيتابايت، وبعض هذه البيانات تم نشرها في ورقة بحثية عام 2019، على شكل تحليل عالي الوضوح غير مسبوق لبيانات استهلاك المياه لأحد الحقول الزراعية وباستخدام صور تم التقاطها من الفضاء.

يذكر أن معظم الحكومات في العالم لا تحتفظ بمثل هذه البيانات، بل إن معظم الدول لا تمتلك معلومات دقيقة عن العدد الفعلي للحقول الزراعية فيها، وبالتالي كمية المياه التي تستخدمها هذه الحقول. ويقول ماكابي: «للأسف، لا يتم الاهتمام بالمياه الجوفية بالقدر الذي نجده في سلعة مثل النفط مثلاً، خصوصاً أنه توجد بدائل كثيرة للنفط، ولكن لا يوجد بديل واحد للماء».

الأمن الغذائي

حدد فريق ماكابي في وقت مبكر من هذه الدراسة كمية المياه المستخدمة في الزراعة لإنتاج المحاصيل في المملكة بمعدل 24 مليار متر مكعب سنوياً، وهو عدد ضخم يعادل أكثر من 10 أضعاف ما تنتجه الدولة من مياه عذبة باستخدام تحلية المياه المكلفة.

ويوضح ماكابي أن جهود فريقه منصبة على رسم الخرائط، وتحديد الحقول الزراعية في المملكة، ويقول: «نقوم بزيارة الحقول الزراعية والتعرف على نوع المحاصيل فيها، ونسجل هذه البيانات ثم نعالجها باستخدام نماذج حاسوبية للتنبؤ بكمية المياه المستخدمة. وأصبحت لدينا الآن آلية متطورة لتقدير كمية المياه الجوفية المستهلكة في الزراعة، لم تكن موجودة من قبل، وبدقة ووضوح ليسا موجودين في أي بلد آخر».

يعمل ماكابي وفريقه في كاوست مع الحكومة السعودية لتقدير استهلاك المياه في العمليات الزراعية المحلية، ولكنه يأمل مستقبلاً في تطبيق نموذجه ليغطي جميع مناطق العالم ما يساهم بشكل فعلي في تحقيق الأمن الغذائي العالمي. ويقول ماكابي: «إذا تم تحديد تسعيرة معينة على المياه في الزراعة، وتم رصد استهلاكها من الفضاء باستخدام التقنيات التي تم تطويرها في كاوست، فإن ذلك سيعزز جهود الحفاظ على الماء».

مشكلة الأمن الغذائي هي مشكلة عابرة للحدود، حتى للدول غير الزراعية مثل المملكة التي تستورد نحو 90% من مجمل أغذيتها. لذلك، فهي معنية تماماً بحجم تهديدات موارد المياه الجوفية في الدول الأخرى، خصوصاً الزراعية منها. ويقول ماكابي: «يجب ألا تقتصر بيانات منصة الأمن الغذائي على ما يحدث في منطقتك فحسب، بل يجب أن تشمل جميع أنحاء العالم، خصوصاً الدول المصدرة للغذاء، فأنت لا تمتلك القدرة على ضبط وإدارة ما لا تستطيع قياسه».