مشهد من الفيلم.
مشهد من الفيلم.
-A +A
بقلم عُلا الشيخ
المكان: الرياض.. الزمان: عام 2004.. الفيلم المسافة صفر وهو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج الشاب عز الشلاحي بعد فيلمه القصير (المغادرون)، وقبل الحديث عن الفيلم الذي يعرض حالياً على نتفلكس وهذا بحد ذاته جدير بأن يعطي إشارة للاهتمام تجاه صناعة السينما في المملكة، لا بد من المرور حول تعليقات من مشاهدين وجدوا أن موضوع الصحوة لا بد من تجاوزه في السينما، لذلك من الواجب إيضاح بعض التفاصيل التي من الممكن أن تساهم في تخفيف وطأة الهجوم من أجل الهجوم فقط.

السينما لا تتقيد بأمكنة وأزمنة، لكنها تحب أن تتجاوز المآسي من خلال حبكة يتم الحديث عنها لإيصال معان عديدة عن أنواع مختلفة من الوجع، فعلى سبيل المثل لا الحصر، ما زالت الحرب اللبنانية تحضر في السينما، وما زال هتلر مادة دسمة لصناع الأفلام الأوروبية، وما زال موضوع انهيار الاتحاد السوفييتي يغري الكتاب، لكن كل ذلك يصب في إيصال معان لها علاقة بكيف تم تجاوز تلك المصائب، وما هو الوضع الحالي، لذلك ليس من السهل بالنسبة لصانع العمل في المملكة تجاوز موضوع الصحوة، فهو الذي أعاق عملياً طريقه تجاه الصناعة.


وعودة للحديث باقتضاب عن المسافة صفر كي لا يتم حرق الأحداث، هو ينتمي إلى فئة التشويق والجريمة، تعود أحداثه إلى عام 2004 في مدينة الرياض، حول شخصية ماجد الذي لعب دوره الممثل خالد صقر، الذي تدرك بعد مشاهد قليلة أنه يعاني من فقدان ذاكرة بالرغم من صغر سنه، لتعي أنك أمام شخصية تريد نقل أحلام الغد ونسيان الماضي، في مكان يضج بعبثية مشهدية، استوديو تصوير مقابل بقالة أعشاب، وإلى جانبهم محال مفاتيح، الشوارع تشبه من يمشي عليها، خوف وقلق وترقب من طعنات تأتي من الخلف، باستثناء صاحب اللحية الحمراء شاكر الذي أدى دوره باقتدار الممثل إبراهيم الحساوي، وعملياً أعطى بحضوره قوة، في المقابل يوجد شريك ماجد (لامي) الذي أدى دوره يعقوب الفرحان، والذي سيقلب أحداث العمل والتوقعات تجاهه.

في المسافة صفر ثمة ذكاء في تقديم الشخصيات، إضافة إلى أنه لا يبتعد عن الهوية السعودية، لكنه في نفس الوقت يطبع جانباً شاملاً، قد يصيب أي مشاهد عربي، ويلمسه في مطرح ما، طريقة إدارة الشلاحي للممثلين والمشاهد والإضاءة وحتى النص الذي كتبه مفرج المجفل تؤكد على ولادة مخرج يعي تماماً أنه سيحرص على كل عنصر يقدمه، لذلك اختياره موسم الشتاء تلاءم مع نوع الإضاءة، وحتى المشاعر، ذلك تلمسه في العنصر النسائي الذي حضر ليكمل توازن الحكاية والذي تمثل بشخصية أبرار التي أدت دورها إلهام علي، علاقة كان لا بد من إظهارها، بحيث تعطي لمحة عن علاقة الحب في زمن صعب.

من جانب آخر تلمس الذكاء الذي أشرنا إليه في قصة الفتاة الصغيرة التي جاءت لتتصور، هذه الفتاة التي تخفي عينها المصابة، يستطيع ماجد أن يجعلها تثق بنفسها أكثر، من خلال تغطيتها بأدوات متوفرة كعدسة التكبير وألعاب أخرى، وبذلك تصبح الصورة أجمل، هذه الطفلة هي حكاية واقع سعودي، كان منذ زمن بعيد، تستطيع استشعاره ببساطة من خلال ذلك المشهد الذي تظهر فيه.

بالمحصلة أنت أمام عمل يستحق المشاهدة، ويعتبر جيداً بالنسبة لتجربة أولى في صناعة الفيلم الطويل، اكتملت فيه عناصر جديرة بالذكر كالموسيقى التصويرية وتوظيف الإضاءة، ناهيك عن أداء ممثلين متماسك.

تبقى الإشارة إلى أن السينما السعودية ما زالت تحبو تجاه وضع اسمها في خريطة الصناعة العربية، وتوجد بالفعل أفلام عدة استطاعت أن تصل إلى التنافس في كبرى المهرجانات العالمية مثل فيلم سيدة البحر لشهد الأمين والمرشحة المثالية لهيفاء المنصور وغيرهما، لذلك تحتاج السينما السعودية إلى تشجيع وثقة من قبل المشاهدين تجاه صناع الأفلام المحليين.