في كل تحوّل تقني كبير، يتكرر السؤال ذاته: هل نحن أمام ثورة حقيقية تعيد تشكيل الاقتصاد، أم أمام فقاعة تضخم سرعان ما تنفجر؟ اليوم يُلح علينا هذا السؤال بقوة حول الذكاء الصناعي، في ظل الارتفاع الحاد في تقييمات الشركات، وتسارع الاستثمارات، وتزايد الحديث عن مستقبل الوظائف والإنتاجية.

إذا نظرنا من زاوية الأسواق المالية، تبدو بعض مؤشرات «الفقاعة» حاضرة وبقوة. وهذا ملاحظ من خلال شركات تُقيَّم بمليارات الدولارات قبل أن تحقق عوائد ملموسة، وتدفقات استثمارية تقودها التوقعات أكثر مما تقودها النتائج. من يقرأ التاريخ جيداً سيدرك أن هذا السلوك ليس جديدًا؛ فقد شهد العالم شيئًا مشابهًا في مطلع الألفية بما يسمى فقاعة الإنترنت، حين انفجرت التقييمات قبل أن تستقر التكنولوجيا في مسارها الطبيعي.

وحتى تتضح الرؤية، الاقتصادات لا تُقاس فقط بحركة الأسواق المالية، وإنما بما يترجم على أرض الواقع من اقتصاد حقيقي. وهنا تتغيّر الصورة، فالذكاء الصناعي بخلاف كثير من التقنيات السابقة، حيث إنه بدأ يُظهر أثرًا واضحًا على الإنتاجية، وهي المؤشر الأهم لأي ثورة اقتصادية. فعلى سبيل المثال، في الصناعة يُستخدم الذكاء الصناعي في الصيانة التنبؤية وتقليل الأعطال، وفي الصحة يسهم في التشخيص المبكر وتقليص الأخطاء الطبية، وفي الخدمات يرفع كفاءة العمليات ويخفض زمن الإنجاز والتكلفة.

وفي ضوء ما سبق، يكمن الفرق الجوهري، إذًا هو بين فقاعة مالية محتملة وثورة إنتاجية حقيقية. الفقاعات تولد حين تنفصل التقييمات عن القيمة المضافة، لكنها لا تُلغي جوهر الابتكار. فحتى فقاعة الإنترنت، رغم خسائرها، كانت البوابة التي خرج منها اقتصاد رقمي عملاق غيّر وجه العالم فيما بعد.

حتى نطلق على الذكاء الصناعي ثورة حقيقية من منظور اقتصادي، لا بد من أن يترافق معه خفض تكاليف الإنتاج، ورفع إنتاجية القوى البشرية، وتحسين جودة القرار. المؤكد اليوم، أن كل المؤشرات تشير إلى أنه يسير في هذا الاتجاه، وإن كان بوتيرة متفاوتة بين القطاعات والدول. ولهذا فإن السؤال الأدق ليس: هل الذكاء الصناعي فقاعة أم ثورة؟ بل: من سيحوّله إلى إنتاجية حقيقية، ومن سيكتفي بملاحقة الضجيج الاستثماري؟

إجابة السؤال أعلاه، يعتمد اعتماد كلياً على الدول التي تميّز بين الضجيج والقيمة. فالأسواق قد تضخّم التوقّعات وتولّد ضجيجًا ماليًا مؤقتًا، في حين تُترجم القيمة الفعلية إلى مكاسب إنتاجية مستدامة تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي.