-A +A
هاني الظاهري
بحسب الأخبار المتداولة ناقش مجلس الشورى أخيرا مقترحاً بتعديل نظام الخدمة المدنية بهدف السماح للموظف الحكومي بممارسة التجارة نظاماً، وكذلك العمل في القطاع الخاص، وهذا وإن كان يصب في مصلحة الموظفين الحكوميين ذوي الدخول الضعيفة نظرياً إلا أنه واقعيا يدل على انفصال أصحاب المقترح في المجلس عن الواقع مع كامل الاحترام لهم.

واقعياً من يمتلك مهارات التجارة من الموظفين الحكوميين أصبح تاجراً بالفعل عبر استخراج سجلات تجارية بأسماء أفراد عائلته، وهذا ليس تستراً تجارياً فأفراد العائلة مواطنون سعوديون من حقهم ممارسة التجارة، ذلك لأن شهوة التاجر للربح لا يمكن أن يوقفها منع طالما توفرت له حلول بديلة، فالتاجر فعلياً هو صانع حلول قبل كل شيء وإن ارتدى ثياب الموظف الحكومي، وبحسب علمي لا يوجد ما يجرّم عمل أفراد عائلة الموظف الحكومي في التجارة لمجرد أنه المشرف الحقيقي عليها، فهم دافعو ضرائب ورسوم وزكاة كغيرهم من التجار.


أما الموظف الحكومي الذي لا يمتلك مهارات التجارة فلن تنفعه مئات القوانين والأنظمة التي تتيح له العمل في هذا المجال بل ستضره لأنه إن قرر أن يستفيد منها فسوف يتحول غالباً إلى أحد اثنين إما مفلس جديد وموقوف خدمات وعضو في قائمة «فُرجت» بسبب الديون والخسائر التي ستترتب على قفزته في بحر لا يجيد السباحة فيه، أو متستر على عمالة أجنبية تعمل في التجارة بشكل غير نظامي وهو ما تجرمه الأنظمة القائمة.

إن السماح للموظف الحكومي بالعمل في التجارة (إن تم إقراره) لن يخدم إلا الموظفين العاملين بالتجارة حالياً بأسماء أقاربهم أي أنه عملية «رفع عتب» ويمكن اعتباره من التسهيلات المقدمة للتاجر الموظف لا أكثر.

من ناحية أخرى فإن مسألة السماح للموظف الحكومي بالعمل في القطاع الخاص خلال أوقات الفراغ قد تناسب بعض فئات الموظفين ذوي الدخول المتدنية الذين يعمل بعضهم فعلياً اليوم في القطاع الخاص عبر تطبيقات سيارات الأجرة والتوصيل دون تجريم، لكن ينبغي التنبه إلى أن هذا الأمر قد يفتح بابا لتحول الموظف الحكومي صاحب الدخل الضعيف إلى مجرد معقب لدى الجهة الحكومية التي يعمل فيها نهاراً لصالح المؤسسة أو الشركة التي يعمل فيها ليلاً، وهذا ضرب من ضروب الفساد إن لم أكن مخطئاً، ولا يجدر بالشورى أن يقر بحسن نية مقترحاً يفتح الباب على مصراعيه لتأسيس بنية فساد جديدة في البلد، فيما تعمل كل أجهزة الدولة لمحاربة ذلك.

بعض الخبثاء وذوي النوايا السيئة يلمحون إلى أن السادة أعضاء مجلس الشورى يطرحون مثل هذه المقترحات التي تدغدغ عواطف الموظف الحكومي عادة خلال الفترة القصيرة التي تسبق انتهاء دورة المجلس وربما عضويتهم فيه من باب كسب نقاط إيجابية لدى الموظفين الحكوميين بالعموم والترديد في المجالس لاحقاً بأنهم عملوا على إفادة الموظف عندما كانوا في المجلس، وأنا شخصياً ضد هؤلاء الخبثاء ذوي النوايا السيئة وأرفض طرحهم كلياً وأدعو الله عز وجل أن يبيض نواياهم ويبعد عنهم هذه الوساوس غير المريحة.

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com