-A +A
بشرى فيصل السباعي
في البدء يجدر التذكير بأن لعقل الإنسان قسمين مختلفين في صفاتهما وآلية عملهما؛ قسم يتمثل باللاوعي ويختص بالمعالجات التسجيلية الآلية التلقائية التي نمط حكمها على الأمور له مثال من لديه قالبان؛ أحدهما بشكل «مربع» ويصنف بأنه يمثل الصواب والخيرية والمثاليات المطلقة وهو ما له صلة بعصبة الإنسان وقومه وفئة جنسه وعرقه ونسبه، والقالب الآخر «دائري» ويصنف بأنه يمثل الباطل والشر والسوء وهو كل من وما ليس من عصبته، وكلما واجه الإنسان موقفا ومسألة ليتمكن من اتخاذ قرار بشأنها بناء على حكمه عليها يقوم عقله اللاواعي بمحاولة مطابقتها على قالب «المربع» فإن تطابقت معه أيد الأمر بتعصب على عماه، وإن لم يطابق قالب «المربع» عاداه وسعى في دماره وقتله بدون مبالاة بمعرفة مضمون «المربع» أو «الدائرة»، وغالب الناس مسيرون بالكامل بهذا العقلية الآلية اللا واعية تماما كمن يمشي في نومه طوال حياته، وهذه العقلية اللا واعية مكونة من منظومة النوازع الغرائزية و«غرور الأنا» الغرائزي، بالإضافة لأنماط الثقافة السائدة والتراث والعادات والأنظمة والتيارات الرائجة. وبهذا تحكم عقلية القطيع غالبية الناس، ولذا وجه الله من يريد الحق والحقيقة لأن ينفصل عن العقل الجمعي اللا واعي ويفكر باستقلالية فردية واعية حاضرة موضوعية حرة بلا قوالب معممة جماعية مسبقة (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا..). لأن الإنسان المسير بالعقل الجمعي اللا واعي هو مجرد آلة تسجيل وتكرار تلقائي آلي بدون أي تقييم ذاتي ولا معالجات واعية للمعلومات، ولذا مجادلة المسير باللا وعي هي كالمجادلة مع آلة تسجيل/‏مسجل، فلا عجب في لجوء المسير باللا وعي إلى الحيل لمخادعة وعيه وضميره وغيره ليتهرب من رد الحجة بمثلها، كما تصف حاله الحكمة الصينية القديمة القائلة «عندما يشير الحكيم إلى القمر بإصبعه.. يتشاغل الأحمق بالنظر إلى الإصبع» ومن هنا تتولد المماحكات/‏الجدل العقيم/‏المراء حول الإسقاطات العشوائية على المصطلحات وشخصنة القضايا ومهاجمة شخصية حامل الرسالة بدون أدنى اهتمام بجوهر وحقيقة الأمر الذي يشير إليه، ولهذا علامة القسم الثاني من عقل الإنسان والذي يمثل؛ الوعي المستيقظ المكرس بالمعارف الممحصة والمتمرس بالتفكير الموضوعي المنهجي الفاعل هو أن صاحبه لا يبالي بالإصبع ولا المسطرة وغيرها التي تستعمل للإشارة إلى القمر فكل همه منصب على إدراك حقيقة وجوهر القمر، ولذا التفكير الواعي لا يخوض مماحكات حول المصطلحات الجدلية وذلك ليتجنب التصنيفات والإسقاطات الاعتباطية والمغرضة والأحكام المعممة اللا واعية المتعلقة بها، ولذا قل؛ «حقوق المرأة».. ولا تقل؛ «نسوية».

* كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com