-A +A
أريج الجهني
لم يمر أسبوعان من تاريخ نشر مقالي «تواصيف المقبل يا روتانا» حتى أطلت علينا قناة روتانا خليجية بحلقة عجيبة من نوعها بعنوان «النسوية في يا هلا» التي جاءت بالتزامن مع أسبوع احتفالي بهيج للسعوديات مع خبر تعيين صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان كأول سفيرة في التاريخ السعودي، وببداية شهر مارس وهو شهر المرأة حول العالم، والذي تحتفل به النساء بمنجزاتهن، حتى جاءت هذه الحلقة التي فتحت من جديد ملف «الصورة الذهنية للمرأة السعودية في الإعلام».

الحلقة اكتفت بعرض فيديو ترهيبي من الحركة النسوية مع مؤثرات صوتية يبدو أنه تمت الاستعانة بها من أشرطة التسعينات، وإخراج بلمسات من أفلام الخيال الصحوي، المذيع طرح الأسئلة على ضيفته عبر الهاتف بطريقة استفهام حادة «ماذا تريدون؟» وبنبرة شخصيا لم أفهمها وحتى لغة الجسد لم تكن واضحة بين غضب أو محاولة فهم، أيضا اكتفى المذيع بضيف واحد قدم فقط وجهة نظره التي نحترمها بالتأكيد، لكن بالطبع لا نتفق معها ولا مع كل ما تم طرحه، فالنسوية ليست مدرسة واحدة وليست أشخاصا، هي منهج علمي بحثي وأكاديمي.


جاء بعدها برنامج في الصورة ليقدم ناشطا خليجيا نقدر له جهده وتقديره للوطن وهو أمر طبيعي، فالمملكة العربية السعودية صمام الأمان وهي دولة قوية بسواعد نسائها ورجالها، لكن الغريب أن الضيف مرر أفكارا قد تكون عفوية لكن لم يتم استدراكها ولا أعلم لماذا تطرق لها، حينما حذر من الابتعاث بوصفه الوسيلة الجديدة لغسيل الأدمغة وأن علينا تحصين المبتعثين قبل ذهابهم، أحترم وجهة نظره، لكن أجد أن القناة هنا هي الملامة في منح منبرها لتمرير أفكار غير مقبولة، وبرنامج الابتعاث هو أعظم برنامج وطني في تاريخ التعليم السعودي وأخرج لنا نماذج وطنية مشرفة.

أنا أتساءل هنا وأتوجه لإدارة روتانا من باب الحرص والتقدير، هل أنتم راضون عن تقديم محتوى إعلامي يناقش منهجية فكرية أيا كان عنوانها من قبل وجهة نظر واحدة؟ هل من المهنية أن تناقش الأفكار العميقة بهذه الحدة؟ ألم نتعلم الدروس من السنوات الماضية وكيف أهلكنا الإقصاء والإلغاء؟ نحن لا نريد أن نلغي الصوت الآخر لكن بالمقابل من أبسط حدود المهنية أن نستمع للطرفين؟

ما الفائدة من مناقشة مفهوم فكري عالمي مثله مثل أي مفهوم حضاري تتم الاستفادة منه وفق عاداتنا وقيمنا؟، ألم يقل وزير الدولة للشؤون الخارجية ورجل السياسة عادل الجبير بأحد أهم تصريحاته التاريخية بأننا «دولة براغماتية»؟ في حال ما تم طرحه في القناة بأن المفاهيم الغربية هدامة ومدمرة وهي لغة سئمنا من سماعها، فهذا يعني أن شخصا كعادل الجبير لا يعي ما يقول! وهذا مجرد مثال لتبيين فداحة ما تم طرحه، بل هي بكل صراحة توجهات مستغربة جعلت الشارع السعودي الثقافي يظهر للعالم بأنه خاوٍ وهزيل، وأن المصطلحات والمفاهيم تخيفنا وكأنه لزام علينا ترويع العامة منها تماما كما تم التأجيج والتأليب على مفاهيم حضارية كثيرة في السابق.

عندما يتم استدعاء المثقفين السعوديين من قنوات عربية وعالمية لمناقشة مفاهيم فلسفية عميقة، وتتجاهل «روتانا» التي نعول عليها الكثير، أن تستدعي هذه القامات أو تطور من فريق الإعداد وتعيد هيكلة وتدريب مذيعيها للتخلي عن الحس المؤدلج والنبرة المتعالية على الضيوف، هل يعقل هذا؟ بل كيف صمتت القناة ولم تعتذر للمشاهدين قبل كل شيء عندما تم انتقاص ضيف وشخصية وطنية من قبل إحدى مذيعاتها؟ التي استخدمت مفردة في حلقة أخرى لا تليق «لينهق من ينهق» أعزكم الله؟ مهما كانت المبررات لكن هل هذا هو قالب المرأة السعودية الذي تريد «روتانا» أن تظهر به السعوديات والذي لا يشبهنا بالتأكيد، وهل القناة عاجزة عن إصدار مواثيق مهنية واضحة تحدد منهجيات العمل الإعلامي وتمنع هذا النوع من الإقصاء والطرح الأحادي، ليظهر الجميع على الشاشة، ودع الحكم للجماهير.

أخيرا، لا أستطيع أن أخفي عتبي الكبير على القناة، فقد كان يمكن أن نتقبل هذا الطرح قبل أعوام، لكن ليس الآن ولدينا نخب فكرية وأصحاب رأي جدير بالتقدير، القناة بحاجة لعمل عميق لتعديل هذه الخطابات التي لا تليق بمنبر سعودي نحترمه بل ندعمه بكل صدق، وبكل أسف لم أتمنَّ أن أكتب هذا المقال لروتانا، لكن الذي طُرح تجاوز الاحتمال، والعتب على قدر المحبة وبحجم ما نأمله منها، فطموحنا أن يستمر الجيد منها وأن يعالج هذا الخلل الذي لا يحتاج سوى إعادة هيكلة وربما الاستعانة بمتخصصين في الخطابات المجتمعية وصناعة صورة ذهنية مشرقة، أن تكون منبراً سعودياً معتدلاً، يقدم الرأي والرأي الآخر، أما التطاول على الضيوف والنبرات الحادة فلا تخدم سوى خصوم الوطن، ولا أجد أي فائدة من تكريس وإنتاج للفكر الأحادي حتى وإن كان بثياب ملونة وعدسات لاصقة!

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com