-A +A
بشرى فيصل السباعي
صدق الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا-أي استيقظوا-». وهم يمشون في نومهم طوال حياتهم وألسنتهم وأيديهم ونظراتهم مشاعل نار وسكاكين فلا عجب أنهم بكل حركة وسكنة يشعلون الحرائق ويجرّحون الآخرين وهم لا يعتقدون أنهم اقترفوا سوءا لافتقارهم ليقظة الوعي النقدي، فلا يعون ولا يشعرون بما يتجاوز جلدهم، لهذا لا عجب أن يعاني غالب الناس منذ صغرهم من صدمات تشوههم نفسيا وعقليا وتشوه شخصياتهم وتجعل محركهم بالحياة هو الأحقاد، والحقد هو: إضمار الرغبة بالإساءة لأحد كانتقام متى سنحت الفرصة والقدرة، وهذا النمط يجعل للإنسان شخصية سلبية بغيضة، فماهي إذن الطريقة الايجابية في الرد على المسيء بدون مجاراته في الهمجية وبدون حمل أحقاد والتحول لشخصية سلبية؟

الطريقة الإيجابية يعرفها كل الناجحين والعظماء والمشاهير، فكفى به انتقاما أن يندفع من عانى من سوء المعاملة والظلم لتحقيق أقصى درجات النجاح والثراء والشهرة والمجد ليشعر كل من أساء إليه بالندم والحسرة لأنه سيقول في نفسه إنه لو كان أحسن إليه لكانت له الآن علاقة به تشرفه وتنفعه، وهكذا وبدل أن يحمل الإنسان أحقادا تشوهه وتمسخه وتجعله سيئ الأثر في العالم، سيقوم عبر إكسير النوايا المثالية بتحويل الحال الأدنى الذي عانى منه إلى حال مجيد أعلى كتحويل المعدن الرديء إلى معدن الذهب الخالص، والنتيجة سيصبح شخصية فريدة عميقة مثالية طيبة محببة وذات أثر إيجابي على الناس والعالم وتلهم الناس سلوك طريق المثاليات العليا في الانتقام الإيجابي بالدافعية المضاعفة للنجاح والتفوق والامتياز والمجد.


ومن أكثر ما يعين على ذلك أن يطالع الإنسان قصص المعاناة والمظالم التي تعرضت لها الشخصيات العظيمة بالتراث العالمي وليس فقط المحلي وكيف انتهت لأن يصبح المظلوم عظيما متفضلا على ظالمه كما في قصة النبي يوسف مع إخوته الذي أرادوا قتله وتخلصوا منه وصار بسببهم عبدا ومن ثم سجينا، لكنه في النهاية بمثالياته حاز منصبا عظيما وشعر من ظلمه بالندم بدون أن ينتقم منهم إنما فقط نجاحه ومجده وتفضله أشعرهم بالندم؛ (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين).

ولو انتقم منهم بالإساءة لما كانوا شعروا بهذا الندم العميق، إنما لملأهم الحقد عليه أي أضمروا إرادة الانتقام منه متى سنحت الفرصة، ولهذا الانتقام الإيجابي بالنجاح يجعل المسيء يشعر بالندم، بينما الانتقام برد الإساءة بمثلها لا يشعر المسيء بالندم إنما يشعره بالحقد، وتستمر سلسلة الإساءات بلا نهاية.

* كاتبة سعودية

bushra.sbe@gmail.com