-A +A
عزيزة المانع
من أغاني التراث العراقي القديمة أغنية طريفة تقول كلماتها:

«يمه انباق رجلي، بنص الليل غطيته، قعدت الصبح ما لقيته، قالوا خدري الجاي، قلت إلمن أخدره؟ وشلون أخدره؟ وشلون أصفي الماي، وشلون أفوره؟ راح اللي يشرب الجاي، سكن ديرة البصرة، إلخ...»


الأغنية ظاهرها الظرف والفكاهة، لكنها في عمقها تصور معاناة النساء من الأزواج المعددين أو المنحرفين أخلاقيا.

إلا أن معظم الزوجات في غالب الأحيان، لا يلقين اللوم على الزوج المعدد أو الخائن، وإنما يتجهن بلومهن إلى الطرف الآخر، إلى المرأة التي يرينها خطفت منهن الزوج أو (باقته) حسب تعبير الأغنية.

لم تفعل المرأة ذلك؟ لم تصب غيظها على المرأة الأخرى وتغفل عن مقترف الذنب نفسه؟ هل هي تريد إقناع نفسها أنها ملء عين الزوج وقلبه، لولا أن امرأة أخرى تمتهن سرقة الأزواج امتدت يدها فخطفته هاربة به؟ هل هي في اللاوعي تسعى إلى إنكار أنها لم تعد من أولويات الزوج وأن الخيانة لم تحدث إلا بسبب تعرضه (للاختطاف)؟ أم أنها تريد إيهام نفسها أن من تزوجته رجل (بالغ الندرة)، لذا هو محط أنظار النساء معرضا لأن تتخاطفه أيديهن؟

فكرة خطف الزوج أو سرقته، هي وإن أرضت غرور المرأة إلى حد ما، إلا أنها تهين الرجل بصورة بالغة، فهي تتضمن أن الزوج المسروق، لم يكن سوى (شيء) تملكه المرأة، وحين غفلت عن وضعه في (الخزنة) وأهملت إغلاق الأبواب والنوافذ، تسلل إلى السرير خلال الليل الأدهم من سرقه منها!

لو كنت رجلا لرفضت هذا الوصف المهين، إلا أن أغلب الرجال يستمرئونه، فهو يضعهم في موضع الضحية المعتدى عليه، وهذا يتيح لهم مساحة واسعة من تبرئة الذات وصرف اللوم عنها، وقد أسهموا في نشره وتعميمه، نوع من المكر، الذي لم يعد خاصا بالنساء!

صديقتي التي شاركتني سماع الأغنية، علقت بخبث عليها قائلة: (أحيانا بعض الأزواج المسروقين، يستحق سارقوهم قبلة على الرأس).

ما يستحق التأمل، هو أن الزوجة في هذه الأغنية تستنجد بأمها ولم تستنجد بأبيها، لمطاردة (البايق) وإعادة الزوج (المبيوق)! هل هذا يعني أنها تعرف أن هناك تضامنا مبطنا بين الرجال على عدم إعادة من يُسرق منهم؟

على أية حال، الحذر مطلوب وقد أعذر من أنذر، كل زوجة تغفل عن إحكام إغلاق الأبواب والنوافذ كل ليلة قبل الذهاب للفراش، لا تلومن إلا نفسها إن تعرض الزوج العزيز للبوق، فهي التي فرطت في حراسته.

azman3075@gmail.com