-A +A
سعيد السريحي
ثمة قضايا معروضة على المحاكم أو اتخذ فيها القضاء حكما قطعيا واجب النفاذ، ينبغي علينا النظر إليها على أنها مؤشرات لظواهر اجتماعية تستوجب التوقف عندها، كي ندرك حجم الضرر الذي لحق بمجتمعنا ومقدار ما تعرض له من انحراف كانت تلك القضايا بعض مظاهره والمؤشرات عليه.

من ذلك ما نشرته «عكاظ» يوم أمس عن أن محاكم التنفيذ ألزمت خلال الأشهر الماضية من هذا العام 3652 زوجا بالنفقة في قضايا رفعتها زوجاتهم أو طليقاتهم، يطالبن فيها بإلزامهم بالنفقة عليهم أو على أبنائهم، ووضعت محاكم التنفيذ أولئك الأزواج بين خيارين: الالتزام بالنفقة أو مواجهة العقوبات المترتبة على عدم تنفيذ الحكم.


وعلينا أن ندرك أن مثل هذه القضايا لم تكن لتصل إلى محاكم التنفيذ إلا بعد فشل محاولات بذلها الوسطاء من أهل الخير أو لجان إصلاح ذات البين لإقناع أولئك الأزواج بالنفقة على أبنائهم وزوجاتهم، بل إن ذلك يعني تعنت أولئك الأزواج في تنفيذ أحكام أصدرتها المحاكم المختصة بشؤون الأسرة، تلزم أولئك الأزواج بالنفقة مما استوجب نقل تلك الأحكام إلى محاكم التنفيذ لوضعها موضع التنفيذ تحت طائلة اتخاذ العقوبات التي تصل إلى الحجز على ممتلكات المماطلين في التنفيذ وإيداعهم السجن، على اعتبار أن امتناعهم عن النفقة ضرب من ممارسة العنف الذي تؤكده مماطلتهم في تنفيذ الأحكام التي تلزمهم بالنفقة.

وذلك كله يعني أننا أمام قضية مركبة تبدأ بالتقاعس عن أوجب الواجبات أي إنفاق الرجل على زوجته وأبنائه وتنتهي بالجرأة على المماطلة في تنفيذ ما تحكم به المحاكم العامة مرورا بفشل الوساطات الاجتماعية التي سعت للملمة القضية قبل وصولها للمحاكم، فإذا كان ذلك كذلك توجب علينا أن نفيق من وهم كبير يجعلنا نركن إلى أننا مجتمع لا يزال محصنا بالقيم التي تحول بينه وبين العجز عن الوفاء بحقوق الآخرين، فضلا عن القيام بأوجب الواجبات وعلى رأسها الإنفاق على الزوجات والأبناء، مثل هذه القضايا التي احتجنا محاكم التنفيذ والقوة الجبرية فيها تؤكد أننا بحاجة ماسة أن ندرس مجتمعنا دراسة لا تتعامى عن حجم الضرر الذي لحق به، فلم تتبق له من القيم غير مظاهر «الهياط» التي تطل برأسها في موائد الطعام وحملات جمع تبرعات الديات.

Suraihi@gmail.com