-A +A
فؤاد مصطفى عزب
يقال إن هناك فيلسوفاً هندياً مسلماً كان يعيش في أحد أقاليم الهند الشمالية.. كان يجلس في الأماسي بين طلبته في الهواء الطلق كل يوم وعلى محياه إشراقة من لفح هواء البحر وجهه زمناً.. يتحدث إليهم بثقة من رأت عيناه عجائب الدنيا السبع ومن زار بطن الأرض وعاد منها بأبهى وأغلى ما اكتنزته من ثمن.. يستقبلونه كل يوم كمن رجع من سفر طويل ويفرح هو بملاقاتهم.. يتحلقون حوله كالفراش يبجلونه ويحترمونه فيعوضهم بالسهر معهم حتى يؤدي معهم فريضة الفجر يستمع إلى أسئلتهم ويرد عليها.. فيما هم مستلقون ذات يوم تحت أشرعة الأحاديث برز من العدم شاب بسيط العقل محدود الذكاء له جسد ثور ودماغ دجاجة كأن الريح كانت تدفعه للكلام.. تقدم من مجلس الفيلسوف وقال له لدي ثلاثة أسئلة تلح علي فهل تتفضل بالإجابة عليها فأومأ الفيلسوف الهندي برأسه.. استطرد الشاب فقال السؤال الأول عن الله فالناس يقولون إنه موجود ولكني لا أستطيع أن أراه كما أن أحدا لا يستطيع أن يريني إياه فهل تشرح لي ذلك؟! وهنا أومأ الفيلسوف برأسه.. واستطرد المتحدث أما السؤال الثاني.. فهو خاص بالشيطان.. يقول القرآن إن الشيطان صنع من نار، فإذا كان ذلك صحيحاً فكيف سيؤذيه الجحيم؟! فهل لك أنت تشرح ذلك أيضاً؟ فأشار الفيلسوف بالموافقة. أما السؤال الثالث فيتعلق بشخصيتي.. يقول القرآن إن كل شيء مقدر فإذا كان مقدراً لي أن أتى عملاً ما فكيف يحاسبني الله عليه ما دام هو الذي قضى به.. فهل تتفضل بالإجابة على هذا السؤال أيضاً قالها وابتسامة ملغزة ترتسم على شفتيه.. كان كل من في المجلس صامتين تخيم عليهم رهبة المكان.. ألقى الفيلسوف نظرة سريعة إلى السماء ثم خفض بصره إلى حيث يقف الشاب وما هي إلا ثوانٍ حتى انحنى الفيلسوف إلى الأرض وأخذ قطعة من طين وقذف بها الرجل بكل قوته فأصابته في وجهه.. كان الفيلسوف متلذذاً بغبطة رميته رغم دهشة الحاضرين من تصرفه فالرجل بئر علم ومستودع إيمان ومحيط يقين وغابة تواضع ومع ذلك يربكهم أحياناً ببعض تصرفاته.. كانوا مصعوقين مرتبكين.. حائرين ورجال الشرطة يقتدون الفيلسوف من مجلسه حيث تقدم الرجل المصاب بشكوى ضده الأمر الذي انتهى بمثول الفيلسوف أمام القاضي في المحكمة حيث عرض الشاكي قضيته قائلاً «إن الألم الذي سببه لي الفيلسوف بضربته الشديدة غير مبرر بل وسبب لي آلاما مبرحة» سأل القاضي الفيلسوف عما إذا ما كان يدعيه الشاكي صحيحاً.. فأجاب الفيلسوف زارني هذا الشاب وسألني ثلاثة أسئلة محددة وأجبت عليها بدقة.. كان السؤال الأول أن الناس يؤكدون أن الله موجود.. ولكنه لا يستطيع أن يراه، أو يريه إياه أحد، ولذلك فإنه لا يؤمن به، وهو يدعي الآن أنه يشعر بألم مبرح في وجهه من قطعة الطين التي قذفتها في وجهه ولكني لا أستطيع أن أرى الألم، فهل تتفضل المحكمة بأن تطلب منه أن يريني إياه.. فكيف أصدق دعواه بينما لا أرى شيئا!! وتطلع القاضي إلى الشاكي وابتسم كلاهما.. واستطرد الفيلسوف فقال ثم سألني إذا كان الشيطان قد صنع من لهب، فكيف تؤذيه النار؟ ولعله يوافقني أن أبانا آدم خلق من طين، وأنه نفسه قد خلق من طين، فكيف يمكن أن تؤذيه قطعة من الطين؟ أما فيما يختص بالسؤال الثالث، فإنه إذا كان القدر مكتوباً فيه أن ألقي بقطعة الطين في وجهه فكيف تجرأ واستدعاني هنا إلى المحكمة ليحاسبني على شيء كان مقدرا على أن أفعله؟ عند ذلك قرر القاضي أن الفيلسوف أجاب على كل أسئلة الشاب مستنداً إلى قطعة الطين التي قذف بها في وجه المدعى.. وقضى ببراءته ناصحاً إياه أن يجيب على ما يوجه إليه من أسئلة في المستقبل بصورة أقل عنفاً وإيذاءً وخالية من الطين!

fouad5azab@gmail.com