-A +A
طارق فدعق
من الأمور المضيئة التي لا نشعر بها في مجتمعنا هي تفوق قواتنا العسكرية لأنها تعمل بصمت وبدون «دوشة» الدراما الإعلامية. وبعض الأحيان يحكي تاريخ منتج واحد ما ينير جهود آلاف المخلصين. وأود أن ألقي الضوء على طائرة خدمت في قواتنا الجوية لتغير تاريخ الطيران الحديث في الوطن. في مطلع الستينات الميلادية قاد المغفور له الملك فيصل لجنة خاصة لدراسة أوضاع القوات الجوية التي كانت مجهزة بطائرات متواضعة آنذاك، وكانت إحدى مخرجات جهود اللجنة هي ضرورة تحديث الأسطول الجوي بطائرات نفاثة حديثة. وتم استعراض مجموعة من أحدث الطائرات المقاتلة من بلدان مختلفة... «الميراج 3» من فرنسا، و«اللوكهيد ستارفايتر ف 104» من الولايات المتحدة، و«اللايتننج» الإنجليزية. وكانت هذه الأخيرة متفوقة في العديد من الخصائص، فكانت طائرة اعتراضية سريعة جدا، ومهولة في أدائها... وكانت أيضا الخيار الوحيد المجهزة بمحركين. وكل هذه الخصائص كانت من المتطلبات الأساسية نظرا لمساحة الوطن الشاسعة، ووجود الرغبة لتأمين سلامة الطيارين في حالة تعطل المحرك لا سمح الله. تم اختيارها وطلبت المملكة أربعين طائرة من إنجلترا للتسليم المستعجل عام 1966. وكانت هذه الطائرة المقاتلة الاعتراضية فريدة من نوعها لأنها كانت -وما زالت الى يومنا- تعتبر من أسرع الطائرات في العالم: كانت سرعتها القصوى تفوق ضعف سرعة الصوت يعني أكثر من ألفين وثلاثمائة كيلومتر في الساعة... لو أطلقت رصاصة من مسدس عيار 38 فستكون الطائرة أسرع منها في المشي «الطوالي»... وكانت متميزة أيضا في قدراتها على الصعود التي كانت تفوق العشرين ألف قدم في الدقيقة.

وكانت فريدة في العديد من الخصائص وعلى سبيل المثال: كانت، ولا تزال الطائرة الوحيدة في العالم المجهزة بمحركين جبارين من طراز «رولز رويس» واحدا فوق الآخر. وجرت العادة أن تكون محركات الطائرات المقاتلة مفردة أو إن كانوا اثنين يكونان عادة بجانب بعضهما. والسبب لهذا التصميم الفريد كان لتقليص المقاومة الهوائية، وكانت الطائرة فعلا من أكثر الطائرات انسيابية في العالم خلال تلك الحقبة الزمنية. وكان المحركان يولدان مقدار دفع هائل يعادل قوة محركات حوالي ثلاثمائة سيارة لاند كروزر. وكانت مصممة ليقودها طيار واحد ولكن كانت هناك طرازات تدريب وقتال لطيارين يجلسان بجانب بعضهما مثل الجلوس في سيارة الهونداي. وحطمت هذه الطائرة العديد من الأرقام العالمية في الأداء ومنها الطيران على أقصى ارتفاع وكان فوق المملكة عام 1968 حيث بلغ 87 ألف قدم فوق سطح البحر ويعتبر هذا من الأرقام الفلكية لأي مقاتلة حتى بمعايير اليوم.


خدمت هذه الطائرة في القوات الجوية الملكية السعودية بجدارة من عام 1966 الى عام 1985. وشكلت أيضا جزءا أساسيا من القوات الجوية في دولة الكويت الشقيقة، وفي القوات الملكية الجوية البريطانية فقط لا غير. وكان إجمالي ما تم تصنيعه هو حوالي 336 طائرة فقط. ولكنها أثبتت جدارتها في العديد من المواقف ومنها الدفاع عن الأراضي السعودية في قبل حوالي خمسين سنة والدفاع عن الأجواء البريطانية من الانتهاكات الجوية السوفيتية في الفترة من 1960 إلى منتصف الثمانينات الميلادية.

أمنــية

تاريخ اللايتننج يعكس قيادة المغفور له الملك فيصل لتحديث القوات الجوية للوطن فكانت أول طائرات جديدة، وحديثة، وفعالة تخدم في أجواء المملكة. ويعكس تاريخ هذه الطائرة النقلة النوعية المميزة لتقنيات الطيران في الإدارة، والتشغيل، والصيانة. وكان الفضل بعد الله لآلاف من رجل الوطن المخلصين الذين عملوا في صمت لجعل أجواء وأراضي وبحار بلدنا آمنة مطمئنة. أتمنى أن نتذكرهم اليوم وكل يوم وندعو الله أن يوفقهم ويوفق أبناءهم، وهو من وراء القصد.