ياسر المسحل والمنتخب السعودي والدمار الذي حلّ بكرتنا ليست مجرد عناوين صادمة تُكتب لاستفزاز القارئ، بل خلاصة مرحلة كاملة من سوء الإدارة، وارتباك القرارات الإدارية، وتبدّد الحلم الذي ظلّ طويلاً أحد أهم روافد الفرح الوطني، فمنذ سنوات وكرة القدم السعودية تسير بلا اتجاه واضح، تتحرك كثيراً لكنها لا تتقدم، تتغيّر الوجوه وتعيد الأخطاء ذاتها، وكأن المشكلة في التفاصيل لا في الفكرة، في الأسماء لا في المنهج، بينما الحقيقة أن الخلل أعمق وأكثر إيلاماً، خلل لا تعرف من أين يبدأ وينعكس تلقائياً على أرض الملعب، حيث يبدو المنتخب فاقداً لهويته، عاجزاً عن التعبير عن نفسه، ومثقلاً بقرارات لا علاقة لها بكرة القدم الحديثة إلا بالاسم.


المشكلة لم تكن يوماً في نقص الإمكانات، فالدعم الماليّ غير مسبوق، والبنية التحتية تطورت، والدوري بات من الأقوى إقليمياً وربما قارياً، لكن كل ذلك تحوّل إلى ديكور فاخر يخفي خلفه فراغاً فنياً وإدارياً، لأن الاستثمار الحقيقي لم يكن في الإنسان، لا في اللاعب المحلي الذي تراجع دوره وتآكل حضوره، ولا في المدرب الوطني الذي أُقصي تماماً، ولا في العقل الفني القادر على بناء مشروع طويل المدى، بل جرى التعاطي مع المنتخب بوصفه ملفاً طارئاً يُدار بالأزمات، وبردود الفعل لا بالتخطيط.


في عهد ياسر المسحل، لم تتشكّل هوية واضحة للمنتخب، لم نعرف ماذا نريد، ولا كيف نلعب، ولا أي نوع من اللاعبين نبحث عنه، تغييرات متكررة في الأجهزة الفنية، اختيارات مرتبكة، معسكرات بلا أثر، ومشاركات تفتقر إلى الحد الأدنى من الاستقرار، وكأن المنتخب ساحة تجارب مفتوحة، يدفع ثمنها اللاعب أولاً والجمهور أخيراً، حتى بات الإخفاق نتيجة متوقعة لا تثير الدهشة، والخيبة شعوراً مزمناً يتكرر بعد كل استحقاق.


الأخطر من النتائج السلبية هو تطبيع الفشل، حين يصبح الخروج المبكر أمراً عادياً، والخسارة مبرَّرة، والأداء الباهت مقبولاً، هنا تبدأ كرة القدم في فقدان معناها، لأن الرياضة في جوهرها وعد بالأمل، وعندما يتحوّل هذا الوعد إلى خطاب علاقات عامة، يفقد الجمهور ثقته، ويفقد اللاعب دافعه، وتفقد الإدارة شرعيتها المعنوية، مهما حاولت الاحتماء بالأرقام أو المقارنات.


لم يُبنَ المنتخب السعودي على مشروع فني متكامل، بل على قرارات مجتزأة، كل مرحلة تنقض ما قبلها، وكل مدرب يبدأ من الصفر، دون تراكم معرفي أو فني، ودون احترام لخصوصية اللاعب السعودي، الذي يُطلب منه أن يطبق فلسفات مستوردة لا تناسب بيئته ولا تكوينه، ثم يُحاسَب بقسوة عندما يفشل في أداء دور لم يُهيّأ له أساساً، في دائرة عبثية لا رابح فيها.


كما أن العلاقة بين الاتحاد والأندية ظلت مضطربة، فلا تنسيق حقيقياً، ولا توزيع أدوار واضحاً، ولا حماية للمنتخب من تضخم الدوري على حسابه، فتحوّل اللاعب المحلي إلى عنصر ثانوي، يفتقد الجاهزية الذهنية والبدنية للمنافسات الدولية، ثم نُحمّله وحده مسؤولية الإخفاق، في حين أن المنظومة بأكملها شاركت في إنتاج هذا الضعف.


الإدارة الناجحة لا تُقاس بعدد المؤتمرات الصحفية ولا بجودة الخطاب الإعلامي، بل بقدرتها على الاعتراف بالخطأ، وتصحيح المسار، وبناء مشروع ينجح بعد رحيلها، أما إدارة تُراكم الإخفاقات وتتعامل معها بوصفها عوارض مؤقتة، فهي إدارة تؤسس لانهيار طويل الأمد، حتى لو بدت مستقرة من الخارج.


كرة القدم السعودية لا تحتاج إلى معجزة، بل إلى عقل بارد، وشجاعة قرار، وإيمان حقيقي بأن المنتخب ليس عبئاً إدارياً ولا ملفاً موسمياً، بل هو العنوان الأهم لصورة الرياضة في الخارج، والمرآة التي يرى فيها الجمهور نفسه، وحين تتشقق هذه المرآة، لا يكفي تلميع الإطار.


الدمار الذي حلّ بكرتنا لم يكن ضربة واحدة مفاجئة، بل سلسلة أخطاء تراكمت، صمتت عنها الإدارات، وتعايشت معها الجماهير، حتى انفجرت في وجه الجميع، وما لم يبدأ الإصلاح من الجذور، من الفكرة قبل الاسم، ومن المشروع قبل النتائج، فسيظل المنتخب السعودي يدور في الحلقة ذاتها، كثير الضجيج، قليل المعنى، بعيداً عن المكانة التي يستحقها، والتي لا تُستعاد بالشعارات، بل بالعمل الصادق، والقرار الشجاع، والمساءلة التي لا تستثني أحداً!