قبل أن نبدأ؛ دعونا نتفق على شيء بسيط!

نحن جميعاً نجامل أكثر مما نعترف، ونبتسم أكثر مما نقتنع، وهذا المقال ليس استثناء.

فإن شعرت أثناء القراءة أنني أتكلم عنك، فاطمئن، هذا لأنك ذكي بما يكفي لتفهم المجاملة حين تُقال، والحقيقة حين تُخفى.

وبما أننا متفقون، فلن نُضيع الوقت في مقدمات نعرف نهايتها مسبقاً.

سأقول ما أريد قوله، وأنتم أحرار في أن تبتسموا، أو تعترضوا، أو تكتشفوا أنكم مررتم بهذا الموقف من قبل دون اعتراف رسمي.

نعيش على المجاملة أكثر مما نعيش على الحقيقة.

نزيّن بها علاقاتنا اليومية، ونستعملها كطريقة لتجنّب الاحتكاك المباشر بالناس، ولتلطيف المواقف الحسّاسة دون الحاجة إلى جدال طويل أو مواجهات محرجة، فالصراحة قد تجرح، إن خرجت عارية كما وُلدت.

والمجاملة -بعكس ما يُشاع- ليست كذباََ صريحاً، بل هي بروتوكول نجاة.

تقول لصديقك إن رأيه مهم، لا لأنك مقتنع به تماماََ، بل لأنك تريد أن تحافظ على شعوره. وقد تمدح طبق العشاء من زوجتك، ليس بالضرورة لأنك استمتعت به، بل لأنك لا ترغب في أن تموت (مسموماً).

المشكلة تبدأ حين نُسيء استخدام المجاملة، فنحوّلها من تلطيف اجتماعي إلى سلاح جارح. فهناك عبارات قد تُقال بنية حسنة، لكنها تُستقبل وكأنها إهانة مغلفة.

مثل أن تقول لامرأة: «تبدين جميلة اليوم»، أو «ما توقعتك بهذا الذكاء»، وكأنها كانت قبيحة وغبية من قبل، فاحذر لأن هذه ليست مجاملات، هذه ألغام لغوية قد تنفجر في وجهك.

تقول الدراسات -على ذمة أصدقائي الباحثين- الذين نصدقهم حين تُرضينا نتائجهم: إن الإنسان يتحسّن بالمديح.

لكنهم لم يخبرونا ماذا يحدث حين يكتشف أن المديح لم يكن سوى نفاق وواجب اجتماعي.

فالإنسان يتحسّن بالمديح نعم، لكنه قد ينفجر كالبالون إذا استمرينا في «نفخه» بمجاملات لا أساس لها من الصحة!

نحن لا نطلب من الناس أن يكونوا صادقين تماماََ فهذا مُحال، ولا نريدهم أن يكونوا منافقين محترفين. نريد فقط ذلك النوع النادر من البشر الذي يعرف متى يقول الحقيقة، ومتى يحتفظ بها احتراماََ للوقت والمكان والقلوب.

وحتى نكون واقعيين؛ صدقوني لو اختفت المجاملات من حياتنا، لوجدنا نصف المجتمع في المحاكم، والنصف الآخر سوف يتبادلون اللكمات في الشوارع، وما تبقى سيجلس وحيداً لا ونيس ولا جليس، فالمجاملة في علاقاتنا الإنسانية ليست رفاهية، بل هي ضرورة حتى تسير (مراكب العلاقات).

وقبل أن أودّعكم وألملم أوراقي؛ أرجوكم لا تجاملوني.

واعترفوا أن المقال جميل، واكتبوا لي: «سلمت أناملك»، فقد تعبت أناملي بالفعل، وليس من العدل أن لا تتجاوزوا منه السطر الخامس!

وصدقوني مسامحتكم؛ إن اكتفيتم بإبداء الإعجاب دون (تصفيق)، ومررتم مرور الكرام لا اللئام، وقلتم لي: (براڤووو يا ريهام).