ليست العلاقة بين القيادة والشعب في المملكة علاقة مجاملة أو تزيين خطابي؛ بل هي عقيدة حكم تأسس عليها الكيان منذ عهد المغفور له الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حين قال عبارته الخالدة: «إن خدمة الشعب واجبة علينا، لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أن من لا يخدم شعبه بعينيه وقلبه ناقص». هذه الجملة التي تبدو بسيطة في ظاهرها، هي في حقيقتها وثيقة تأسيس مبكرة تضع الشعب في قلب الدولة، وتجعل من خدمته معياراً للشرعية والكرامة القيادية.


في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار»، حين قال الرئيس السوري أحمد الشرع إن «رهاني في سورية هو على شعبي»، لم تكن تلك العبارة لتثير تصفيق ولي العهد لو لم تلامس في داخله جوهر ما يؤمن به. كان تصفيق الأمير محمد بن سلمان تعبيراً عن التقاء فكرتين: أن الشعب هو الأصل، وأن أي مشروع نهضوي لا يكتمل إلا بفاعلية الإنسان الذي يصنعه. لم يكن التصفيق سياسياً، بل كان إنسانياً، وامتداداً طبيعياً لفكر مؤسس الدولة الذي قال إن خدمة الشعب واجبة على القيادة، وإن من يقصر في حقه يَفقِد من كمال مسؤوليته. فالمشهد بكل رمزيته لم يكن تقاطعاً بين موقفين، بل تواصل بين جيلين من القيادات العربية في الإيمان بأن الشعوب هي القوة الحقيقية لكل نهوض.


في الفقه الدستوري الحديث، يُعدّ مفهوم «المصلحة العامة» (Public Interest) حجر الأساس لأي نظام رشيد، لكن السعودية كانت تطبقه قبل أن تدونه؛ فالقيادة السعودية، منذ تأسيسها، جعلت خدمة المواطن واجباً لا منّة، ومسؤولية لا شعاراً، حتى أصبحت «خدمة الشعب» نهج دولة راسخ لا توجه عابر. ومن هنا يتضح أن المملكة ليست في سباق مع الزمن بقدر ما هي في تجديد دائم لمعناها المؤسسي، إذ تعيد تعريف دورها في كل مرحلة من خلال علاقتها بشعبها لا من خلال صورتها لدى الآخرين.


ولي العهد اليوم يجسد تلك العقيدة بروح معاصرة. فعندما يقول: «أنا أعمل لهذا الشعب، وشعبي شعب طويق، لا يرضى إلا بالقمة»، فإنه لا يكرر خطاباً وطنياً، بل يعيد تعريف القيادة في زمن الدولة الحديثة؛ أن القيادة ليست سلطة فوقية، بل تحفيز متبادل بين القائد وشعبه. ومن هنا تتبلور فكرة «التمكين المتبادل» التي أصبحت عنواناً للعصر السعودي الجديد، حيث يتحرك القائد والمجتمع في اتجاه واحد نحو الرؤية ذاتها.


منذ قرن مضى، وضع الملك عبدالعزيز أساس الدولة قائلاً: «إن خدمة الشعب واجبة علينا». واليوم، يؤكد ولي العهد هذا المعنى بتصرفاته لا بكلماته، حين صفّق احتراماً لشعب آمن بأنه مصدر النهوض والكرامة. وبين الكلمتين ـ الأولى في التأسيس، والثانية في الحاضرـ تتجسد هوية المملكة: دولة تُبنى بالشعب، وتزدهر من أجله، وتستمد قوتها من إيمانه بها.