-A +A
عقل العقل
في المجالس الأسرية، غالباً يكون التوظيف وحصول الأفراد على وظائف معقولة من حيث الراتب وطبيعة العمل هو الحديث المهيمن على تلك المجالس، هموم الحصول على الوظيفة تفرض نفسها وتتشعب بين مؤيدة أن يقبل الخريجون الجدد أو حاملو الشهادة الثانوية بوظائف قد لا تحقق طموحاتهم وتوقعاتهم من حيث طبيعة العمل وقيمة الراتب، فالآمال والتوقعات المرتفعة بالحصول على راتب مرتفع متناسب مع الشهادة يبدو أنها ولّت إلى غير رجعة، لكن مشكلة البعض هو المقارنة مع الآخرين ممن يحصلون على رواتب مرتفعة لأسباب مختلفة تدخل العلاقات ونوعية الشهادة واللغة فيها. الأكيد أن الانطلاق للشباب والشابات في سوق العمل يجب ألا يقف عند مقدار الراتب، ففي العالم كله سلم الوظائف في القطاع الخاص والعام يبدأ بمبالغ ضعيفة مقارنة بمن سبقوا الآخرين في الانضمام لتلك الشركات، هل التنظير سهل كما يردد الآخرون أم أن الواقع يقول حالة أخرى في هذا السياق؟ مثلاً هناك شركات أو جهات عامة عند التقديم للعمل فيها نجد أن فرص التوظيف لمن هم على رأس العمل في جهات أخرى أقوى مقارنة بمن يبحث عن عمل وهو دون وظيفة مهما كان راتبها، فتلك الوظيفة مهما قلّ راتبها تعتبر بوابة للحصول على وظائف أفضل من حيث طبيعة العمل والراتب والمميزات الوظيفية، أعتقد أن من أخطر القرارات في حياة الخريجين أو طالبي العمل بشكل عام هو التسدّح في بيت الأهل والرضا بمبالغ بسيطة من الأب أو الأم تمشي بها حياته اليومية البسيطة، هذا السلوك يخلق حالات خطرة من إدمان البطالة والاتكال على الغير في تحقيق مطالبه البسيطة، إضافة إلى تكون حالة نفسية معادية وسلبية تجاه المجتمع بسبب عدم الحصول على وظيفة موجودة فقط في مخيلته أو مخيلتها.

يعجبني من بعض شبابنا قبولهم أول وظيفة يقبلون فيها بعيداً عن مقدار راتبها، ومن متابعة لبعض أبناء الأقارب والأصدقاء الذين يُقبلون على العمل بهذه الطريقة أنهم يتطورون في عقلياتهم بشكل عام والوظيفية بشكل خاص فبعد سنوات قليلة تجدهم في مراكز مرموقة، ويحصلون على رواتب مرتفعة جداً.


مع برامج الرؤية التي من أولوياتها الاستثمار بالعنصر البشري ودفعه للعمل بالقطاع الخاص؛ الذي كان حكراً على الأجانب، نجد السعوديين يُقبلون عليها بكل أطيافهم في شركات وطنية وأجنبية مسلحين بالتعليم النوعي وثقافة منفتحة على العمل، نشاهد الآن مثلاً الآلاف منهم يعملون في المقاهي والمطاعم ونقاط البيع في محلات البيع المختلفة التي كانوا يرفضونها سابقاً. أعتقد أن برامج السعودة وضمان رواتب جيدة ومعقولة ومميزات وظيفية ستقضي على البطالة في السنوات المقبلة؛ كما هي محددة في رؤية المملكة 2030.

أتمنى أن تكون هناك شفافية أكثر ومراقبة قوية لسوق العمل، والعمل على إعطاء الفرصة لأبنائنا في وطنهم، والقضية ليست عاطفية، بل نجد الآلاف من الخريجين من الجامعات والمعاهد الفنية الذين يستحقون أن يبدأوا حياتهم الوظيفية في وظائف معقولة دون الإخلال والضغط على القطاع الخاص.