-A +A
أحمد الجميعة
الأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط منذ حرب الخليج الأولى والثانية، وتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والحرب على الإرهاب، وسقوط بغداد، وما يسمى بالربيع العربي، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وغيرها كثير؛ كانت عوامل تأثير مباشرة على اقتصاديات المنطقة وتنميتها على مدى عقود من الزمن، فضلاً عن استثمار إمكاناتها المادية والبشرية في مهمة النهوض للمستقبل، والشواهد كثيرة على تراجع وأحياناً تخلّف كثير من دول المنطقة بسبب هذه الحروب والنزاعات، والأخطر التدخلات الدولية والإقليمية في شؤونها.

اليوم هناك حالة وعي تتشكّل في دول المنطقة وشعوبها بأن لا يكون الفعل السياسي مؤثراً على الاقتصاد الذي هو عصب الحياة، ومهما بلغت حدة هذه الأحداث وتداعياتها يبقى الأهم أن يعيش الناس بسلام واستقرار وتنمية، وهذا السلوك الذي يتنامى أظهرت معه مواقف دولية وشعبية كثيرة من أن الاقتصاد أهم من السياسة.


دول كثيرة في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها السعودية؛ تعد من أكثر دول العالم نمواً اقتصادياً خلال السنوات الخمس الأخيرة، رغم سخونة الأحداث السياسية المتتالية في المنطقة، وهذا مؤشر مهم على أن الاقتصاد هو لغة المصالح التي تشكّلت في إنهاء وتصفير أي خلافات سياسية مهما كانت، وبالتالي القدرة على إعادة رسم التوازنات وضبط السلوكيات وردود الفعل؛ حفاظاً على المكاسب الاقتصادية التي تحققت.

دول المنطقة وشعوبها ليس لديهم استعداد للعودة إلى السياسية على حساب الاقتصاد، ولا أيضاً التمسك بالمبادئ وحدها من دون مصالح اقتصادية للنمو والازدهار، وعلى هذا الأساس تباينت كثير من مواقف الدول والشعوب تجاه السياسة وتداعياتها لما يجري اليوم من أحداث، واتفق الجميع على أن الاقتصاد لا يحتمل أي انقسام في سبيل التنمية المستدامة.

صحيح أن الأحداث السياسية تؤثر على اقتصاديات أي دولة، ولكن حجم التأثير أكبر لو تأثر الاقتصاد، وعلى هذا الأساس يتحرك الساسة لوقف وتهدئة أي أزمة؛ لأنهم يدركون أن الخاسر الأكبر هو الاقتصاد، ومشروعات التنمية، ومعيشة الناس وأرزاقهم.

نحن في المملكة نتابع أدق التفاصيل السياسية وتداعياتها في المنطقة، ونعلن عن مواقفنا الثابتة تجاه القضايا والأحداث، ونساهم في حلها، والوقوف مع أصحابها، وتقديم الدعم الإنساني لهم، ولكن هذا لا يعني أن يتوقف الاقتصاد ومشروعات التنمية، أو نتأخر عن تحقيق مستهدفاتنا الطموحة، أو أن نسمح لأصوات مرجفة أن تربط بين حدث سياسي لتعطيل أو تأجيل مشروع اقتصادي.

في الأيام الأخيرة فقط كانت السعودية في مشهد الحدث السياسي على أعلى مستوى من الاتصالات، واللقاءات، والمشاورات، ومع ذلك أعلنت عن إطلاق مشروعات تنموية، وتنظيم فعاليات دولية، واستقطاب استثمارات عالمية؛ فلم تمنع السياسة أن ينمو الاقتصاد لأنه باختصار أهم.