-A +A
نجيب يماني
نتابع بكلّ الفخر والإعزاز الأخبار المبشّرة لنتائج الحملة المباركة الّتي تقودها وزارة الدّاخلية بأجهزتها الأمنية المختلفة ضدّ المخدّرات ومروّجيها،

جهد مشكور للوزارة ومنسوبيها لما ينطوي عليه من فداء بالنّفس، وتعرّض للمخاطر من أجل حماية وصون تراب هذا الوطن الغالي، وأمن مواطنيه والمقيمين فيه وزوّاره، من أيّ خطر يتهدّد أمنهم وسلامتهم.


وتتعاظم دواعي الفخر بهذه الحملة بإعلان وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود في تغريدته على تويتر، والتي حملت البشارة والوعيد بنصّها الواعد ضربة تتلوها ضربات، لن ينجو منها مروجو ومهربو المخدرات ومن يستهدفون مجتمعنا ووطننا.

هذا هو الوجه الإيجابي لهذه الحملة، ولكن في المقابل ثمّة هواجس تمثّل الوجه السلبي حين النّظر إلى حجم المضبوطات المصادرة من المواد المخدّرة، والذي يتجاوز آلاف الأطنان، وملايين حبوب الهلوسة، والكمّيات المهولة من الأنواع المختلفة لهذه المواد الخطرة، والتي يتمّ تسريبها إلى داخل المملكة عبر وسائل مخادعة ومبتكرة، غالبًا ما تكون عين الرقيب لها بالمرصاد. فلو أجرينا على هذه المواد، المهربة إلى داخل وطننا، المبدأ الاقتصادي المتمثل في العرض والطلب بمفهومه البسيط، لوجدنا أنّنا أمام معضلة حقيقية، تتناسل منها أسئلة قلقة مفادها

لماذا يخاطر المروّجون بتهريب هذه المواد إلى وطننا رغم القوانين الصارمة التي تصل حدّ القصاص، جزاء وفاقًا؟

وطالما أن هناك عرضًا لا بد وأن هناك طلبًا، فإذا كان المعروض بهذه الكميات المفزعة؛ فمن الغفلة غضّ الطرف عن حجم المستهلك حقيقة أو افتراضًا، أو الراغب في الاستهلاك والتعاطي.. فإذا اعتبرنا -سذاجة- أنّها حركة تجارة غير شرعية تتم عبر مغامرين ينشدون المال عبر وسائل غير شرعية، فإنّ من المهم أن تصحب هذه الحملة جهود من جهات الاختصاص تذهب باتجاه تحديد الفئات المتعاطية، وأسباب وقوعها في هذا المعطن الآسن، والحلقات التي أوصلتها إلى هذه المرحلة، مصحوبًا ذلك بمعالجات اجتماعية، تتساوق مع المعالجات الصحية، بما يحجّم من انتشار هذا الخطر الداهم.

أمّا إذا نظرنا إلى حركة التهريب بالمفهوم الأشمل والمنظور الأوسع، فلن نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أنّها نتاج سياسة ممنهجة تستهدف المملكة وأمنها وشبابها بشكل مدروس ومقصود، ودالة ذلك في إشارة وزير الداخلية طيّ تغريدته المشار إليها آنفًا في جزئيتها التي تتوعّد «.. من يستهدفون مجتمعنا ووطننا»، فلا استهداف بغير قصدية وأجندة مرسومة، وبهذا يأخذ التهريب بعدًا إقليميًا ودوليًّا، يتطلّب معالجات أمنية مختلفة، لا شكّ وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية المختلفة تعرف كيفية التعامل معها والجهات الواردة منها، وما يتطلبه ذلك من تنسيق أمني إقليمي ودولي، بما يحفظ أمن الحدود، ويشيع حالة الاستقرار المنشود بين دول الجوار وما دونها على ميسم الأمن والسلام.

إن فخر واعتزاز كل مواطن بالجهود الأمنية حيال الحملة على المخدّرات، يقابله تقصير بائن من قطاعات أرى أنّها ذات دور أصيل في هذه الحملة، ولكنها غابت عنه، وكأنها حملة أمنية فقط، فواقع الحال يفرض علينا جميعًا أن نعي بأننا جميعًا مسؤولون عن الحدّ من خطر المخدّرات، وأنّ الجهود الأمنية مهما بلغت فاعليتها، تصبح ناقصة ما لم تتكامل الأدوار الأخرى ذات الصلة الوثيقة، فعلى الأسرة يقع العبء الأكبر في مراقبة أفرادها والمراهقين منهم من الجنسين بالذّات، وخاصّة وأّن آثار التعاطي من الوضوح بحيث من المستحيل أن تغيب عن عين أيّ ملاحظ يراقب أبنائه بعين الحرص والمتابعة.. ومن المهم حال اكتشاف أيّ حالة تعاط أن يتمّ التعامل بنهج المعالجة وليس التجريم والتوبيخ، والاتصال دون تأخير ومماطلة بالجهات ذات الاختصاص صحيًّا وأمنيًا، لضمان سلامة الجميع، فإنّ سلوك المتعاطي في الغالب ينتهي به إلى اقتراف جرائم بلا وعي أو إدراك لماهية خطورتها وجسامتها، ولهذا فمن أوجب الواجبات أن تتخلّى الأسرة عن مفهوم «التستر» خوفًا من الفضيحة وإلا سينتهي بها الأمر إلى كارثة حقيقية..

وتتراحب دائرة الأدوار المنتظرة وبخاصة وزارة التعليم، وحتمية توجيه خطابات توعوية، وتنظيم برامج بشكل دوري للتعريف بمخاطر المخدّرات، وتعاطي الممنوعات، وتنظيم رحلات للجهات المعالجة للمدمنين والمتعاطين حتّى يقف الطلّاب، وبخاصة في المراحل المتقدمة، على نتائج التعاطي بما يمثّل عظة مشاهدة، وبيانًا بالعمل على خطورة الاقتراب من المخدرات.

ولن ننسى كذلك دور وزارة الشؤون الإسلامية في توجيه المنابر التابعة لها من أجل الإسهام في الحملة.. والحال نفسه مع وزارة الإعلام؛ التي يقع عليها عبء تشكيل واستحداث خطاب توعوي يتّسم بالجدة والمواكبة والقدرة على النفاذ إلى وعي الشباب والتأثير في تفكيرهم نحو السّلوك الإيجابي بعيدًا عن السلوكيات السلبية ومن أهمها المخدرات..

أما قطاع المبدعين فإنّ الحملة تفتقدهم، فأين التشكيليون من هذه الحملة، أصحاب الريشة والمنحوتات المعبرة، والقدرة على تقديم خطاب وعظي جمالي يتّسم بكل مقومات الجذب إليه من كافة القطاعات.

وأين الدراميون في المسرح والتلفزيون والسينما من إنتاج مواد درامية ذات أبعاد تشخصية عالية، تصوّر حجم الخطر، وترسم الصورة الحقيقية لماهيته ومآلاته، نفتقد منهم المسلسلات الواصفة، والمسرحيات المشخصة، والاسكتشات التي نرجو أن ينهضوا بها ويستهدفوا بها كافة قطاعات الشباب، وليخرجوا بالمسرح إلى المدارس والجامعات والساحات في الأحياء بشكل مدروس ومنظم. قصص وعبر وصور من الواقع من داخل المصحات ودور التشافي.

ولن ننسى أن نوقظ الشعراء من غفوتهم ونطالبهم بمنظوم من الكلام المؤثّر عن خطر المخدرات، مقرونًا ذلك مع استنهاض للموسيقيين والمطربين لاستلهام هذه القصائد في إبداع أعمال فنية تسير بين الناس وتبقى جرسًا يُقرع في كل وسائل الإعلام ووسائط الميديا بما يشكل تكاملاً في الأدوار مع الجهات الأمنية،

إعلانات الطرق وشاشات الشوارع والمولات مدعمة بالأرقام والصور عن بشاعة المخدرات والمصير الأسود للمتعاطين.

فبغير تهويل مفزّع وتبسيط يهوّن، فإننا أمام خطر داهم يسمى «المخدّرات»، نهضت إليه دولتنا في سياق هذه الحملة المباركة، وهي ماضية فيه بعزم وقوة لتضرب كلّ بؤره وتقضي على كلّ جيوبه، حملة تتطلّب منّا جميعًا استشعار المسؤولية المتضامنة، بحيث يعرف كلٌّ منّا دوره، وما يمكن أن يسهم به في تحجيم هذه الآفة، ويستأصل بوائقها من أرض بلادنا الحبيبة.