-A +A
عبده خال
الموهبة هي من الله لا تباع ولا تمنح.

وقد استوعبت المجتمعات أهمية وجود المواهب في حياتها وعملت على تقديمها والاحتفاء بها، ولم يكن العرب بعيدين عن تقدير وتثمين أي موهبة تبزغ. وتحمل لنا كتب السير كيف احتفت القبيلة بظهور شاعر من أبنائها، وكيف أنها تقدمه ليكون فخرها ومصدر زهوها بين القبائل الأخرى.


ومنذ أن تم إفساد ذمم الشعراء بقول المديح مقابل إلقاء قصيدة على مسامع الممدوح لكي يجزيه المال الوفير، مع أن الممدوح يعلم علم اليقين أن المادح لم يصدق في مدحه، ومنذ زمن ملأوا فمه ذهباً، حدث انكسار في ماهية استقبال الفنون على أنها موهبة لا تباع ولا تمنح، وظلت هذه الحالة تجر أذيال الارتزاق، وكان الشعر (ديوان العرب) هو المثابر في الاسترزاق إلى أن وصل محطة رثة، تتمثل في وجود مكاتب لبيع القصائد عبر تحديد أسعار الأشعار وبيعها لتنثر على مسامع الناس في الأعراس وكأنها خروف سوف ينحر في وليمة أو ينحر على مسامع عشيقة.

وهذا التردي هو انعكاس حقيقي للحالة الاستهلاكية التي جرفت كل شيء، فغدت المواهب محل بيع وتربح.

ويحدث هذا في المجتمعات التي فرطت في مواهب أبنائها لتحيلهم إلى جيف تنهشها الحيوانات الجارحة.

وكلما ظلت الموهبة في منأى عن فخاخ البيع والشراء ظلت عصمة ورفعة للمكان الذي أفرز تلك الموهبة.. ودلت أيضاً كإشارة لرفعة الوطن الذي يحافظ على مواهبه.

ولكي نعرف الفرق بيننا وبين المجتمعات الأخرى فإن الغرب لا يسمح لك أن تبيع نفسك أو تشتري غيرك.

وهذه هي العصمة..

ربما كان هذا القول سابقاً للمتغيرات الحياتية، والعودة له تكمن في أن الجميع أصبح للبيع من خلال السوشال ميديا التي غيرت طبائع الناس، وأصبح الكل يبحث عمن يشتريه، وليس أدل على ذلك من كثافة الأشخاص (عديمي الموهبة) يوزعون الهيافة، وقولي هذا لن يجدي في الكف أو المنع بل لن ينظر فيه أو عليه.

وأعرف أن الحكم على الشيء من خارجه لن يقدم أو يؤخر.