-A +A
علي محمد الحازمي
واحدة من التحديات التي تواجه العديد من الحكومات والمنظمات الدولية والشركات حتى الأفراد هو التنبؤ بالأوضاع الاقتصادية العالمية، فجميع تلك الأطراف لا تعرف أين موقعها في الدورة الاقتصادية إلا بعد حدوثها وحتى طرق حل تلك الأزمات تختلف من منظمة إلى أخرى ومن مسؤول إلى آخر. لعلي هنا أذكر المناظرة التي دارت بين وزير الخزانة السابق لورانس سامرز والبرفيسور روبروت هوكيت أستاذ القانون والتمويل بجامعة كورنيل بخصوص طرق علاج التضخم المفرط الذي يضرب العديد من الاقتصادات العالمية. يرى سامرز أن واحدة من أنجع الطرق لعلاج التضخم هو استخدام مفهوم «معدل التضخم غير المسرع للبطالة» وهو أدنى مستوى للبطالة يكون فيه التضخم مستقراً؛ لذلك اقترح وزير الخزانة السابق رفع معدلات البطالة إلى مستويات 5% «أي منح أكثر من 18 مليون أمريكي لقب عاطل» على الأقل في السنوات الخمس المقبلة حتى يتم قتل الطلب مما ينتج عنه انخفاض التضخم. في المقابل جادل روبروت هوكيت هذا التوجه لسامرز، وقال: «بدلاً من زيادة عدد الفقراء وإلحاق الألم بالعمال من أجل إيجاد حل للتضخم علينا استخدام العلاج بمفهوم زيادة الإنتاج من خلال زيادة العرض وليس قتل الطلب».

باب الاستدلال بتلك المناظرة يأتي من منطلق التوضيح كيف أن على العالم اليوم أن يتغلب على عدد لا محدود من التحديات، يأتي في مقدمتها تداعيات صدام خطير بين القوى العالمية الكبرى وبين أنظمة القيم العالمية شديدة الاختلاف، لدرجة أن هناك تضارباً على مستوى صنّاع القرار وعلماء الاقتصاد من ناحية الأسباب والمسببات والحلول. إلى هذه اللحظة لا يعرف العالم المدى الكامل للتغييرات الهيكلية والنظامية التي ستحدث في السنوات القادمة بسبب عواصف هذه الأزمات المتتالية.


الخيارات العالمية لمواجهة الأزمات أصبحت أكثر محدودية خاصة إذا عملت كل دولة بمعزل عن دول العالم الأخرى؛ لذلك التعاون العالمي ودور الحكومات أصبح ضرورة لخلق مستقبل أكثر مرونة وشمولية واستدامة، وإلا فإن العالم سيسير نحو عصر مظلم جديد مليء بالصراعات الجيوسياسية والأوبئة والحروب المحلية والأزمات التي ستبتلع مجتمعات بأكملها خاصة إذا قصر صنّاع القرار نطاق عملهم على السياسات قصيرة المدى ولعبوا على وتر المصلحة الذاتية. باختصار شديد؛ شعوب العالم بحاجة إلى دور عالمي حكومي فعّال لإدارة وتجاوز الأزمات والبحث عن طرق بناءة يمكنهم من خلالها بناء مستقبل عالمي مشترك.