-A +A
محمد مفتي
لم يكن تعيين الأمير الشاب ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله- رئيساً لمجلس الوزراء بالخطوة المستغربة أو غير المتوقعة، بل كانت متوقعة تماماً كتتويج لمرحلة إنجازات عظيمة ونجاحات متتالية ومتلاحقة على كافة الأصعدة، فخلال عدد محدود فحسب من السنوات شهدت المملكة حركة إصلاح قوية وجذرية في كافة المجالات، مثلت كل منها امتداداً ثرياً لرحلة العطاء المستمرة منذ تأسيس المملكة، لترسم للمملكة مستقبلاً مبشراً يتناسب مع مكانتها التي تستحقها وثقلها الذي حازته عن جدارة.

تعيين الأمير الشاب رئيساً للوزراء لا يعني إلا أن إنجازاته ومسيرة الإصلاح التي تبناها غدا يشار لها الآن بالبنان، وقد كان واضحاً أنه منذ أن تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد أنه عراب رؤية 2030 ومهندس الإصلاحات الجذرية، ولعلنا لسنا بحاجة للقول إلى أن الغرب كان يتابع بالكثير من القلق منحنى صعود تلك الإصلاحات، والتي تعني، في المقام الأول والأخير، تبخر وتلاشي أحلام الهيمنة الغربية على دول المنطقة، ذلك أن المملكة تسير للأمام بخطى ثابتة بفضل إدارة أبنائها وسواعدهم الفتية، وهو ما يعني أن النهضة التي تدب في شرايين المجتمع السعودي أصبحت حقيقة واضحة لا رجعة فيها.


بطبيعة الحال، لم يقف العالم الغربي موقف المتفرج إزاء الحركة الإصلاحية الضخمة التي بدأت ملامحها في التشكل بوضوح خلال عدد محدود من السنوات، فانطلقت الحملات الإعلامية الغربية المسعورة في محاولات بائسة لتشويه كل الإنجازات والانتقاص من شأنها، انطلقت تلك الحملات بلا هوادة للتشكيك في جدوى الإصلاحات مسقطة انتقاداتها على شخص الأمير ذاته أكثر من المملكة، وهو ما زاد من يقيننا من أن المملكة تسير بالفعل على الدرب الصحيح، فلو لم تصب نجاحات المملكة العالم الغربي في مقتل لم تكن تلك الحملات المشبوهة لتتخذ هذه الصورة بالغة العدوانية، ولم تكن لتكون خبراً دائماً على منصات بعض الصحف الغربية.

اعتاد الغرب تماماً فرض شروطه في ظل انعقاد أية تحالفات دولية للحصول على أكبر قدر من المنافع له دون الاكتراث بما قد يسببه ذلك من خسائر للأطراف الأخرى، وبطبيعة الحال لم ينسجم هذا التوجه الغربي مع طموحات الأمير وخططه لتنمية المملكة، كونه ينال من مكانة المملكة ومن تاريخها العريق ومن ثقلها الدولي والإقليمي، مما دفع بعض دوائر القرار الغربية لإعادة استخدام ورقة حقوق الإنسان، التي لا يتم إشهارها إلا عندما ترفض أي دولة ذات سيادة ورقة الابتزاز الغربي، وهو ما دفع بعضاً من تلك المؤسسات الدولية المسيسة والموجهة لانتقاد المملكة بشكل صارخ وغير موضوعي.

غير أن تلك المنظمات الدولية والدول المشبوهة نست أو تناست أن انتقاداتها المسمومة باتت غير صالحة للاستخدام، فالمملكة قطعت بالفعل أشواطاً متتالية فيما يتعلق بتحسين الأوضاع الاجتماعية داخل المملكة، والتي سادت بسبب سيطرة فكر الصحوة المتشدد لبعض الوقت على كافة المناحي داخل المملكة، وتمكنت بالفعل من التخلص من الكثير من القيود التي كانت مفروضة في السابق، وها هي المرأة السعودية انطلقت لتحصل على مكانتها التي تستحقها وتتولى أرقى المناصب وتشارك في كافة الفعاليات وتتصدر الكثير من الأنشطة، وذلك جنباً إلى جنب مع إطلاق حزم متكاملة من الإصلاحات التشريعية والتنفيذية التي أعادت هيكلة المجتمع السعودي، وهو ما أفقد المجتمع الغربي قدرته على توجيه سهام النقد للمملكة، والتي باتت تتمتع بحرية وإصلاحات فاقت كل تصور.

بصفة شخصية لا أبالي على الإطلاق بتلك الانتقادات؛ فتلك الانتقادات ما هي إلا نفاق سياسي وفقاعات هوائية يسترضي بها الزعماء الغربيون الناخبين للحصول على أصواتهم الانتخابية، فدهاليز السياسة الغربية معقدة وملفات الصراعات الدولية ليست أكثر من خيوط دقيقة يجيد الساسة الغربيون التلاعب بها لتفوز أحزابهم في انتخاباتهم المحلية، غير أن تميز دول الخليج باستقرارها السياسي وثرائها الاقتصادي قض مضاجع الغرب الذي لم يتوقف عن محاولاته في السيطرة على مقدراتها وخيراتها، وبالتالي أصبح ولي العهد الحائط المنيع الذي حال دون تنفيذ سياسة الابتزاز الغربي.

مع نشوب الحرب الروسية الأوكرانية اندلعت أزمة الطاقة مجلجلة في بعض دول أوروبا، مما دفع الكثير منها للجوء للمملكة لمساعدتها على تجاوز الأزمة المرعبة التي يُتوقع لها هز القارة الباردة، وعلى مدار الشهور السابقة تعددت زيارات قادة العالم الغربي للمملكة، حيث زارها الرئيس الأمريكي بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني السابق جونسون، والمستشار الألماني شولتز، كما سارعت فرنسا واليونان باستقبال ولي العهد بغاية الحفاوة عند زيارته لهما، وهو ما أظهر حاجة العالم للرياض واستعداده للتعاون معها لتجاوز الأزمة، والتخلص من نقمة الشعوب الغربية ضد حكوماتها في ظل تنامي أزمة الطاقة.

أخذت أتأمل لبعض الوقت فيما لو لم يكن ولي العهد قد بدأ فعليًا مسيرته الإصلاحية، هل كان الغرب سيتوقف عن انتقاد المملكة؟ لا أظن، فالاتهامات جاهزة ومعلبة وصالحة لجميع المقاسات، كل ما يتم فعله هو تغيير اسم الدولة ثم إلصاق شريط التهم بها حتى تستجيب وتذعن لطلبات الغرب، والذي لن يهدأ له بال إلا إذا سيطر على بقية دول العالم ونهب خيراتها وخرب مواردها لصالحه فقط.