-A +A
أسامة يماني
الغرب الذي يرفع شعار حرية الرأي والفكر، نجده اليوم يخالف الشعار الذي رفعه ووضعه في العديد من دساتيره وأقام تمثالاً له في الكثير من دول العالم، وأشهرها تمثال الحرية الكبير المعروف في مدينة نيويورك. ويرمز ويدل على الحرية، والسلام، وحقوق الإنسان، ومحاربة ظاهرة الرق، وتأكيد الديمقراطية، «حيث تُشير الشعلة في تمثال الحرية إلى أنّ تحقيق الحرية لا يُمكن إلا بوجود النور والضوء؛ فرؤية الحرية ومعرفة أنّها موجودة ما هو إلّا سبيل نحو تحقيقها، كما يُمكن مشاهدة التاج أعلى رأس المرأة في تمثال الحرية، وهو تاج مكوّن من سبعة رؤوس مُدببة، وفي ذلك إشارة إلى البحار السبعة حول العالم، والقارات السبع المُكوّنة للكرة الأرضية، ويُراد من ذلك أنّ الحرية فكرة عالمية يجب أن تتواجد في كافة أرجاء دول العالم، ويدل هذا التاج أو الإكليل أيضاً على أشعة الشمس، وفيه إشارة إلى تمثال رودس الذي كان يُعتبر إله الشمس خلال العصور القديمة».

اليوم الغرب يريد أن يفرض قيماً لا يتفق معها العالم وتتجاوز معنى ومفهوم الحرية. وبمجرد أن يبدي شخص ما مخالفته لهذه الأفكار يتم اتخاذ إجراءات تعسفية ضده، بهدف التخويف والردع وفرضها على الجميع وإظهارها بكافة الوسائل لنشرها وتعميمها سعياً من الغرب للقضاء على مفهوم الأسرة التي عاشتها الإنسانية لآلاف السنين.


ومن الملاحظ أن الشركات الغربية العالمية عابرة الحدود والقارات تتبنى هذه السياسات التي يريد الغرب فرضها على المجتمعات الأخرى، وتحاول تمريرها في البلدان التي تمارس أنشطتها فيها على الرغم من أن تلك السياسات لا توافق عليها تلك البلدان؛ لأنها تخالف قيمها الاجتماعية أو الدينية. ومثال صارخ لذلك إعلان شركة بيكر ماكينزي (دبي) في بيان لها عبر موقعها الإلكتروني، (الجمعة 9 سبتمبر)، أنها قررت إنهاء علاقة الشراكة مع المحامي حبيب الملا، وأنها تجري إجراءات فسخ العلاقة بين الطرفين، مفيدة بأن أي تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الدكتور حبيب الملا هي وجهات نظره الخاصة، في تلميح إلى أن هذه الخطوة جاءت في أعقاب التغريدات التي دوّنها الدكتور الملا عبر حسابه في «تويتر» منتقداً فيها الشذوذ. لقد اتخذت شركة بيكر ماكينزي هذا الإجراء لأنها مطمئنة أنه لن ينالها أو يطالها أي مسؤولية نتيجة قيامها بمثل هذا الإجراء.

إن فرض هذه الشركات الغربية عابرة القارات مفاهيمها البعيدة عن أنشطتها مخالِفة بذلك أنظمة البلد الذي تعمل فيه يتطلب وقفة من الجهات الحكومية والمحلية. لأنه من غير المعقول أن تفرض أفكاراً متطرفة على شركائها خارج مركزها الرئيسي. ولا يصح أن يلتف على الأنظمة والقوانين في البلاد التي تمارس نشاطها فيه بعيداً عن دولة المقر أو المركز الرئيسي.

إن عدم اتخاذ سياسات حازمة تجاه مثل هذه التصرفات، كوقف التعاقد معها من قبل الجهات الحكومية أو تقييد رخصتها وغير ذلك من إجراءات رادعة، يجعلها تتمادى في الخروج على الأنظمة والتعليمات والأعراف المحلية بطرق التوائية وغير مباشرة. كما يسهل لهذه الشركات تفعيل قوانين دولتها دولة المقر المخالفة للأنظمة والقوانين في داخل البلد المضيف.

ازدواجية المعايير والخروج عن القوانين ومخالفة قانون الدولة التي تمارس نشاطها فيه يستلزم وقفة ونظرة لمثل هذه التصرفات لمنع تكرارها وإلزامها باحترام القوانين والأعراف في البلد المضيف.

هذه الحادثة توضّح مدى أهمية وجود سياسات لمواجهة مثل هذا التدخل السافر من قبل الشركات عابرة القارات لفرض مفاهيم غير مقبولة من كثيرين حتى في الغرب التي تريد الليبرالية اليسارية المتطرفة فرضها على الجميع.