-A +A
عقل العقل
القادة الأمريكيون ومراكز الدراسات هناك يكررون هذا السؤال، البعض منهم مثل الرئيس جورج بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأن العرب والمسلمين يكرهون أمريكا بسبب حريتها ورخائها الاقتصادي والحلم الأمريكي، هذه الدعوات باعتقادي بعيدة عن الأسباب الحقيقية لهذا الكره من الغالبية من شعوب المنطقة تجاه أمريكا، البلد الحلم للأفراد العرب، فالصناعة الأمريكية ذات الرفاهية الطاغية هي المفضلة لدى الشعوب العربية، فالسيارة الأمريكية هي الحلم في الماضي، الأفلام الأمريكية هي الطاغية والمشاهدة في دور السينما وعلى محطات التلفزة العربية، ونجوم سينما هووليود هم من يعرفهم الجمهور العربي، فنادرا من يعرف ممثلا أو ممثلة أوروبية أو يشاهد فيلما أوروبيا على نطاق عريض في عالمنا، أمريكا طاغية في حياتنا بكل تفاصيلها من مأكل وملبس وصورة ذهنية لما يجب ويتمنى الكثير من شعوبنا عليه الحياة المثالية في دولنا أو في حلم الهجرة للحياة هناك أو للدراسة هناك.

كثير منا تجربته في الدراسة هناك هي من شكّلت تجربته الحقيقية للحياة وخاصة في المراحل المبكرة للابتعاث، فزملاء أتوا من قرى ومناطق معزولة وبعيدة عن التقدم وفجأة وجدوا أنفسهم في قلب الحضارة الرأسمالية المتقدمة بكل تفرعاتها المادية والإنسانية، بعض ممن يكرهون أمريكا تعلموا السياسة والنشاط السياسي والمعارضة لأمريكا في الداخل الأمريكي.


أمريكا هي وريثة الاستعمار الإنجليزي-الفرنسي التقليدي في الشرق الأوسط، استعمارها يقل توحشا وعنفا ولا يعمل على طمس الهوية الثقافية والدينية للشعوب الواقعة تحت هيمنتها، استعمارها من النوع الناعم الفتاك الذي يسيطر على الشعوب وتلك الشعوب تدمن وتعشق هذا الاستعمار الجديد، ولكن الوضع لم يستمر هكذا فمع سقوط الاتحاد السوفيتي في التسعينات من القرن الماضي أصبحت أمريكا هي الدولة والقوة المهيمنة في العالم وأصبح العالم أحادية القوة، بعد تلك المرحلة بدأت أمريكا تدخل عسكريا في دول العالم وتشاهد بوارجها الحربية وعساكرها في نزاعات بعيدة عن البر الأمريكي، كلنا نتذكر تردد أمريكا في الدخول في الحرب العالمية الثانية ومشاركتها متأخرة من مبدأ الانعزالية في السياسة الخارجية الأمريكية.

في عالمنا العربي البعض يرجع الهجوم الثلاثي على مصر في 56 بسبب الموقف الأمريكي ضد القوى الاستعمارية المتهالكة فرنسا وبريطانيا، هذا الموقف أسّس لأن تكون أمريكا دولة ذات مبادئ جميلة يمكن التعايش والتعاطي معها رغم الخطاب القومي العربي في تلك المرحلة.

أمريكا باعتقادي مكروهة في العالم العربي بسبب موقفها الداعم لإسرائيل ويظهر ذلك بشكل واضح في حرب 73 حيث أقامت الإدارة الأمريكية جسرا جويا لنقل الأسلحة المتطورة جدا حتى لا تهزم إسرائيل في تلك الحرب، وهذا ما حدث بالفعل، فلا هو انتصار ولا هزيمة للعرب في تلك الحرب، بعدها أصبحت أمريكا في سياساتها الخارجية منحازة بشكل أعمى لدولة إسرائيل رغم الظلم الواضح والواقع على أبناء الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية، وحتى اليوم لا زلنا نشهد هذا الانحياز والمساعدة السياسية والعسكرية الأمريكية لإسرائيل رغم ما قدمه العرب والقيادة الفلسطينية من تنازلات ومبادرات للوصول لحل نهائي لهذه القضية المعقدة، أمريكا الدولة ومؤسساتها التي تصدر وتنظّر على العالم بملف حقوق الإنسان لا تنظر للظلم الواقع على الشعب الفلسطيني على سبيل المثل، سياسة أمريكا في الشرق الأوسط كارثية بمعنى الكلمة، فغزو العراق ومن ثم أفغانستان وما خلّفته حروبها في هذه الدولة العربية والإسلامية من قتل وتدمير وتأتي الإدارة الأمريكية وتتحدث عن حقوق إنسان هي ضائعة في داخل حدودها قبل أن تتحدث عنها خارج أراضيها.