-A +A
أسامة يماني
تضررت العديد من الأوقاف ولم يستطع النظار القائمون على أوقافهم الأهلية من اغتنام فرصة شراء عين أو عقار بديل عن العقار الذي دخل في التوسعة أو نزع لمصلحة عامة؛ بسبب عدم القدرة على شراء عقار بديل، حيث تمضي سنوات عديدة وأصحاب الوقف متضررين من عدم بت المحكمة في شراء عقار بديل، نظراً لأن المعاملة تدور بين المحكمة وأهل الخبرة ومحكمة الاستئناف، وكما يقال «كعب داير» والأسباب عديدة، منها طول الإجراءات والاشتراطات التي لا تتماشى مع روح العصر ولا مع المصلحة في سرعة اتخاذ قرار الشراء، وكذلك انشغال القضاة وتأخير البت والروتين وعدم وجود جهة مختصة مؤهلة، حيث تحال المعاملة لقسم الخبرة بالمحكمة الذين لا تتوفر لمعظمهم الخبرة التخصصية ولا المؤهلات العلمية والعملية. كل هذه الأمور تسببت في تعطيل أموال الوقف والإضرار به.

لقد قامت الدولة مشكورة بعمل تعديلات عديدة وأصدرت قوانين وأنظمة وتعليمات تعالج الأوقاف الخيرية، وأنشأت هيئة خاصة بها تسمى الهيئة العامة للأوقاف تهدف «إلى تنظيم الأوقاف، والمحافظة عليها، وتطويرها، وتنميتها، بما يحقق شروط واقفيها، ويعزز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكافل الاجتماعي، وفقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية والأنظمة». كما تم إنشاء شركة أوقاف التي تعد الذراع الاستثماري للهيئة العامة للأوقاف، وترتبط مباشرة بمحافظ الهيئة، وتعمل شركة أوقاف من أجل تطوير آليات الاستثمار للأوقاف المدارة من قبل الهيئة، وتنويع المحفظة الاستثمارية، وتطوير إستراتيجية للاستثمار لضمان الحصول على عائد استثماري، كما تُعنى شركة أوقاف بضمان إدارة الاستثمارات، والأموال، والأصول بفعالية وكفاءة أكبر، وتحقيق النمو والاستدامة المالية وتنويع مصادر الدخل.


لقد أصبح للأوقاف العامة أو الخيرية هيئة لها رؤية ورسالة وأهداف وفلسفة يسعى إلى تحقيقها، حيث تتطلع إﻟﻰ تمكين القطاع اﻟﻮﻗﻔﻲ وريادته بما ﻳﻌـﺰز استدامته وأثره اﻟﺘﻨﻤﻮي واﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻷﻣﺜﻞ، وإلى تطوير منظومة بناء القدرات لمختلف ﺷﺮاﺋﺢ منسوبي القطاع الوقفي عبر أنشطة احترافية متنوعة، من خلال التعاون بين القطاع والشراكات الفاعلة مع مختلف بيوت الخبرة العالمية والمحلية، والتكامل بين رواد القطاع من مؤسسات وأفراد لتضافر الجهود وتعزيز نجاحها.

في حين أن الوقف الأهلي مازال يعاني الأمرين نتيجة عدم وجود آلية تمكن أصحابها من تنمية موارد الوقف وتطويره بدون تدخل معيق وإجراءات وشروط لا تتماشى مع روح العصر ولا مع هذا القطاع الاقتصادي الهام والذي يجب رفع كفاءته وقدراته لكي يكون رافدا هاما من روافد الاقتصاد. إن مشروع نظام الأوقاف الجديد لايحقق تطوير وتنمية الوقف بروح عصرية ويجعل الوقف حبيس فقه وضعه رجال لعصرهم.

ومن المعلوم أن وزارة العدل بدأت في تطوير نظام الخبرة، حيث تعمل على مشروع القواعد الخاصة بتنظيم شؤون الخبرة أمام المحاكم، غير أن ذلك الأمر لا يحل المشكلة التي تواجه الأوقاف الأهلية. إن الموضوع يتطلب حلولا شاملة منها الاستفادة من نظام الترست الدولي ومن جميع التجارب الناجحة وإلزام المحاكم بسرعة البت في طلب شراء عقار بديل واعتماد مكاتب خارجية مختصة من المكاتب الهندسية المعتمدة بخصوص سلامة المبنى وأنه يتوافر فيه كل الشروط الخاصة بالعقار واعتماد تقدير سعر العقار من المقيمين العقاريين المعتمدين. فلا داعي لإرسال المعاملة لقسم الخبرة في المحكمة، كما أن الهيئة العامة للأوقاف لا يجب أن تكون معوقا في تنمية الأوقاف وتطويرها.

إن تطوير أنظمة وإجراءات الوقف الأهلي بما يتماشى مع روح العصر والاقتصاد والاستثمار يساهم في تطوير هذا القطاع الاقتصادي الذي لم يحصل على الاهتمام الواجب. وكما جاء في الرؤية أنه من الركائز الرئيسية لرؤية 2030 توفير بيئة تطلق إمكانات الأعمال وتوسّع وتنوع القاعدة الاقتصادية لأن تنويع اقتصادنا من أهم مقومات استدامته.

إن تطوير بيئة الوقف الأهلي لاشك أنه سيكون رافدًا مهماً في الاقتصاد والتنمية في السعودية. لذا يجب توفير بيئة محفزة داعمة لهذا النشاط الأهلي والعمل على تنويعه وإمكانية التعاون بين القطاع والشراكات الفاعلة مع مختلف بيوت الخبرة العالمية والمحلية لدعم التنمية والاستثمار.