-A +A
عقل العقل
هل ما حدث للطالبة «نيرة» داخل جامعة المنصورة من قتل في عز النهار أمام المارة من زميلاتها ظاهرة عنف ممنهج ضد المرأة في مصر، أم هي حوادث شاذة وبشعة ومروعة للسلم الاجتماعي في المدن العربية؟ الأكيد أن تصوير الحادثة وانتشارها في وسائل التواصل الاجتماعي أضاف بعداً آخر لمثل هذه الجرائم، وأصبحت قضية كل مدينة وقرية عربية نعيش تفاصليها المحزنة والمرعبة وكأننا في المنصورة ومن أهلها. بالفعل أصبحنا نعيش ليس في قرية واحدة، كما يردد خبراء الإعلام والاتصال منذ القرن الماضي، بل إننا في غرفة واحدة نسمع ونشاهد تفاصيل حياة الآخرين في البلدان البعيدة عنا بكل مآسيها وأفراحها، ومنها قضية الطالبة المغدورة «نيرة» التي نشعر أنها أخت وجارة لنا في حينا.

جرائم العنف والقتل ضد النساء ليست بالجديدة، ولها أشكال وأسباب متعددة، فهي تحدث خصوصاً في المدن الرئيسية، فمثلاً السويد البلد الأكثر أمناً تظهر الأرقام ارتفاعاً في تعرض النساء للعنف؛ ففي عام 2020، تم الإبلاغ عن 16461 حالة اعتداء ضد نساء تربطهن علاقة وثيقة بالمعتدي. وهذا يمثل زيادة بنسبة 15.4% عن رقم عام 2019 إذ بلغ عدد هذه الحالات 14261 بحسب المجلس الوطني لمكافحة الجريمة.


في السويد وفي الدول المتقدمة تتم المعالجة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأمنية للتصدي لهذه القضية، ولم نسمع يوماً أحداً من رجال الكنيسة أو المجتمع يلقي اللوم على لباس المرأة وشكلها بأنه هو السبب في إغراء بعض البشر المرضى باغتصابها أو قتلها، الكل تحت طائلة القانون، هناك قوانين ضد التحرش بكافة أشكاله سواء الجنسي أو اللفظي أو الرقمي.

في مجتمعاتنا المسلمة تحدث مثل هذه الجرائم القليلة، ولكنها تصبح قضايا رأي عام، ولا يزال البعض من الدعاة والخطباء ورجال الدين خصوصاً ممن يملكون شهرة واسعة من خلال قنوات التلفزيون وعلى مواقعهم في تويتر والفيس بوك أو من على منابرهم بالمساجد يبررون لمثل هذه الجرائم وليس كلهم عن قصد وترصد للمرأة غير المحجبة، ولكن نجد مثل النجم الشيخ مبروك عطية قد أعطى أحكاماً مسبقة لسبب القتل والذبح التي تتعرض له بعض النساء، وأن عدم الحجاب والحشمة بنظره هو ما دعا البعض للاعتداء عليهن وقتل البعض منهن، وهو يطالب من تريد أن تخرج بسلامة أن تخرج وكأنها قفة لا ملامح لها حتى تنجو بحياتها.

مثل هذا الخطاب المتشدد والداعي للعنف والكراهية يجب أن لا يسمح له بالمجتمعات العربية، فهو تبرير للعنف والتحرش الجنسي لأن هذه المرأة لم تغطِّ شعرها، أو أنها تلبس بنطلون جينز ضيقاً، ما يريده بعض الظلامين باسم الدين أن تكون المرأة العربية والمسلمة كما نشاهد المرأة في أفغانستان تحت حكم طالبان تعامل بقسوة ودونية وتمنع من الخروج والتعليم، وكله باسم الدين والمحافظة على العادات والتقاليد الاجتماعية البالية. أتذكر أنه حدث بعض التحرش في إحدى الحفلات الفنية ضد بعض النساء، البعض برروا أنهن يستحققن ما جاءهن، فمن تخرج لحفلة عامة وتلبس ملابس جميلة فهي من جاب لنفسها ذلك، هذا المفهوم والثقافة ضد المرأة يغذيه خطاب مبروك عطيه وغيره المئات من الدعاة الذين يرون أن خروج المرأة أصلاً من بيتها للعمل أو للدراسة أو للسفر أو للحياة هو من أكبر الكبائر، وقد يحرمه البعض منهم، فهي بنظرهم تخرج لبيت زوجها ولقبرها.