-A +A
عبداللطيف الضويحي
تتنافس في مجتمعاتنا السعودية ثقافتان متناقضتان تمتد جذور كل منهما في أعماق القناعات والتجارب والموروث عبر الزمن. إحدى هاتين الثقافتين تنطلق من مقولة «اصرف ما في الجيب يجيك ما في الغيب»، وهذه المدرسة لا تؤمن بالادخار بل ربما لأنها لم تسمع بالادخار، وهذا لا علاقة له بكم تملك أو هل أنت تملك أو لا تملك، بقدر ما هي ثقافة وربما تنشئة نشأ وتربى عليها هؤلاء منذ طفولتهم.

لا نعرف بالضبط عدد أو نسبة السعوديين المنتمين لهذه الثقافة، مقارنة بنظرائهم ممن ينتمون للمذهب السلوكي النقيض والذي ينطلق من ثقافة «القرش الأبيض في اليوم الأسود». هذه المدرسة لا علاقة لها بكمية أو حجم الدخل الشهري أو اليومي أو مهما كبر الدخل أو صغر، فبوسع الفرد أن يدخر بل ويجب أن تدخر.


من المهم أن ندرك بأن الادخار عملية سلوكية تقوم على التخطيط. التخطيط هو العامل المشترك الأبرز بين من يملكون الكثير ومن يملكون القليل بالنسبة للادخار، فكلهم يخططون وكلهم يدخرون، بينما عكسهم من لا يخططون، الذين لا يدخرون، وإن فعلوا فربما لأسباب مختلفة.

هل هناك سلوك مشترك بين العاطلين عن العمل ومن لا يدخرون؟ هل البطالة وجه العملة الآخر لعدم الادخار؟ ما هي العلاقة بين البطالة والادخار؟ وأيهما السبب وأيهما النتيجة؟ هل يمكن أن نجعل من الادخار وسيلة للإسهام ببعض الحلول الجزئية والتخفيف من وطأة البطالة على العاطلين وأسرهم؟

لماذا لا نجرب الادخار وسيلة للتخفيف من آثار البطالة على الذين يكتوون بنارها؟ ولماذا لا يسن قانون وتشريعات تلزم البنوك من جهة والمؤسسات الحكومية الرسمية من جهة أخرى بتمكين العاطلين من الادخار عن طريق تخصيص برنامج ادخاري مخصص للعاطلين؟ إذا كانت جميع محاولات الادخار فشلت حتى الآن في تحقيق المستهدفات، فلماذا لا يتم التركيز على العاطلين عن العمل ببرنامج ادخاري يصبح نموذجا للدراسة والمراجعة بعد فترة، وتطويره كلما كان ذلك ضروريا؟

ليس المطلوب أن يشمل برنامج الادخار جميع العاطلين، لكن هناك من العاطلين من هم على حافة الفقر، ويكفيهم هامش ربح معقول من الادخار، بينما لو اعتمدوا على الوسائل الحالية لأصبحوا فقراء وليسوا عاطلين فحسب.. كما أننا بحاجة دائما لأن نتذكر أن ليس كل المشكلات الاقتصادية تتطلب حلولا اقتصادية دائما، فهناك الكثير من المشكلات الاقتصادية تتطلب حلولا اجتماعية ومنها البطالة.

إننا نهدر فرصا كبيرة وكثيرة عندما لا نتعامل مع الادخار كضرورة اجتماعية واقتصادية وكأحد الحلول لمشكلة البطالة وغيرها من المشكلات الاجتماعية. إن شريحة العاطلين هم إحدى ضحايا غياب برامج الادخار، والعاطلون هم ضحية مزدوجة لثقافة لا تعمل بالتخطيط المالي وضحية لبنوك لم تقدم منتجا ادخاريا جادا وحقيقيا، ولم تتعامل هذه البنوك بالمسؤولية الاجتماعية. كما أن العاطلين عن العمل هم ضحية لغياب التشريعات والقوانين التي تتيح للأجهزة الحكومية التعامل مع العاطلين وغيرهم من خلال برامج ادخارية.