-A +A
علي بن محمد الرباعي
تساءل المؤذن؛ منين التقطت هذا العِرْبي المصفوق، يا عريفة؟ وأضاف؛ صدق من قال؛ حِزِي في الدالع فجاء بالمدلوع، فانفعل العريفة؛ وقال إحشم عمرك، وأوزن كلامك، والزم حدود محارمك. اللُّغلغي؛ جاوركم، وذبح شاة الغُرم، ولا عاد معكم فيه هِرجة، ولا فيه مضرب عصاة؛ صار واحد منّا، خلوه يغنّي لنا في مناسباتنا، ويفك خنقة أُم الفِري.

ما يمرّ عليه يوم؛ دون أن يفتعل (اللُّغلُغي) خصومة، ويتخزّى، على جيرانه، بسبب دجاجته الرقطاء، اللي ما يلام فيها هبوب الرياح، ويقول؛ خلوها براحتها؛ فالدجاجة من حقها تمر بالساحات، وتقطع الطرقات، وتدخل السفول، وتنقّر الأكياس، وتنسّل البرام، وتنخش الحبّ، وتصول وتجول، ويا ويل من يهشّ أو ينوش عليها بيد أو عصاة.


ولا يعرف (اللُّغلغي) عند الاعتداء على دجاجته، إلا طولة اللسان، ومدّ اليد، ولأنه فنان القرية، وما يستغنون عنه، كونه يوسّع صدورهم، ولذا يراعونه، ويدارونه، ولأنه في حماية العريفة ما حد يقدر يقلّ له؛ بعّ، وكلما بغى الفقيه يحتج؛ يجيبه كبير القوم؛ في عيونك طشش وعشش، ما تشوف؛ بنات فاطمة بيغزلن عليه؛ خلّه يونسهن، وبيكرين كرّ المشدود، وننتسم من شقاء الصرام والدياس.

انفرد به العريفة ذات صباح، وقال؛ اعلمني يابو (طق إصبع) أنحن في الليل؛ اللي يرقدونه الخلق، ما نعرف النوم؛ تتجمع لك هدس فاضين كماك؛ يلعبون؛ شمطه، وفي النهار تشغلنا بالدجاجة؛ وين أفلحت؟ من لقط بيضها؟، وتتأمر يا شميط، لا أحد يعترضها، اعلفوها. اسمع؛ ترانا قهرنا فيك عشية بالدجّة؛ وضحى بالصجة، أخلفت مِلّتنا ودِلّتنا الله يخلف صُرعتك، وذلحين لا تهب بيني وبين جماعتي فُرقة.

فقال (اللُّغلغي) تدري يا كبيرنا أن معزّة هذي الدجاجة من معزّة الفانية، الله يرحمها، وترى فيها سرّ ما تعرفونه. عندها استشعار، فسأله العريفة؛ استشعار أيش؟ فأجاب؛ اعرف من حركتها، وتلفتها إن كان يومي؛ صافي وإلا متكدر، فعلّق العريفة؛ حاح بعقلك، إن كان دجاجة تصفّي وتكدّر، لكن ما عليك شرهة؛ رأسك معبوط.

جاء الفقيه؛ لبيت العريفة، مستنجداً، وطلب من العريفة ينصفه؛ قائلا؛ دجاجته؛ زقّرت ولدي الصغير في عُفاله، ملعونة الصلف، وبغت تنخش عين مرتي، لو ما صافت بوجهها، وذلحين؛ يا رجال؛ تعطيني حقي منه يا عرفت آخذه بيدي.

استلقى العريفة على ظهره من الضحك، وقال؛ والله يا فقيه، لخرجت عليّ من تحت الحطب، وأنا اطهر في السفل، وبغيت أتشادق، ولو ما لحقتني؛ بنتي؛ وسمّت عليّه، يكون انصفق عقلي، بسبب هذي البليّه، سأله: في ذمتك؟ فأقسم؛ لانخلع قلبه وهي خارجة في الغدرة وما تكاكي كما الدجاج تزرم، وأضاف؛ أخاف إنها جِنيّته.

استقام المؤذن، بعد صلاة الجمعة، وقال؛ يا لُغلغي؛ دجاجتك ما تخلّي دار ولا جار؛ أوذتنا؛ ما تبقي حطب ولا خشب ما تندس تحته، وبخسّت الدمون، وتنثّر الحُواق، وقبل ما يغلّق الكلام، وقف له اللُّغلغي، وقصده في مقدمة المسجد، فاحتمى في ظهر العريفة، وحاول يهدّي فيه؛ ويعرض عليه يشتريها منه، فقال العريفة؛ فكونا من المناغشة في بيت الله؛ يغطك الله؛ إنت وهو، نخرج من المسيد وخير.

اصلح؛ أصلحك الله؛ منه إلا منهم، بأربعة ريال؛ وباركوا للمؤذن، فعجز عن حملها بين يديه، وجاء بالقفة، ونقلها إلى البيت، ومن شدّة تعلق اللُّغلغي بها؛ كل يوم يطلّ عليها، فقال المؤذن للفقيه؛ خلّ الزفر هذا يقصر الخطوة عن بيتي، يتعذر بالدجاجة، وأنا ما ني حيّ الله، اعرف الكُفت، ترى بيختلط شرّه بشرّي، وباشرّعه وأفرّعه بالتربان، حتى لو ما تجي عوافي.

ضحى اليوم التالي؛ دخل عليهم، وهم يتفاولون، وإذا في الطاوة؛ بقايا بيض، فطلب من المؤذن زيادة، في قيمة الدجاجة لأنها صارت تبيض، فقال؛ المؤذن؛ اصبح يا بني آدم، وتعوّذ من أخوك، فاستحبه اللُّغلغي من الحيلة لين رفعه بقامته، وحدحد به، فانحثى بكرج الحليب، فقال؛ المؤذن؛ تبشر باللي يرضيك ويطيّب خاطرك.

تسلل إلى عزبته، ولقط زنوبته، وذبح الدجاجة، ودغول الزنوبة في دمها؛ ودقّ فيها مسماراً، وحفر لها تحت عتبة الباب، ودفنها، ومن يومها لا مهادي ولا منادي.