-A +A
حمود أبو طالب
في حوار نشرته صحيفة الشرق الأوسط قبل يومين، سُئل المثقف الكبير وأشهر وزراء الثقافة في فرنسا السيد جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي حالياً: ما رأيكم في المشهد الثقافي السعودي حالياً؟ فأجاب: أنا معجب جداً بكل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تغييرات في السنوات الأخيرة. شخصياً أعتبرها ثورة ثقافية وفكرية واجتماعية لا سابق لها، وأجد أن أصدقاءنا السعوديين متواضعون إزاء ما حُقق في بلدهم من إنجازات، سواء في مجال المسرح، والسينما، والموسيقى، وحماية التراث، والأدب، أو دعم اللغة العربية. هي خطوات عملاقة لحظتها بأم عيني؛ ليس فقط في المدن الكبرى كالرياض وجدة؛ بل أيضاً في المدن الأخرى.

هذه شهادة مهمة من مثقف عالمي خبير ووزير سابق للثقافة لفترة طويلة، أسس خلالها مشاريع ثقافية نوعية داخل فرنسا وخارجها، يعني تماماً ما يقوله وليس بحاجة أن يجامل أو يبالغ، وذلك يعني أن مشروعنا الثقافي الوطني الشامل قد نهض فعلاً وبدأت ملامحه تتضح ونتائجه تظهر مما جعله يستقطب الاهتمام الخارجي ويحظى بالإعجاب كملمح حضاري يعبر عن شعب شغوف بالثقافة كضرورة إنسانية يشاركها مع بقية ثقافات الشعوب.


لقد كان مفهوم الثقافة الذي ساد لدينا لوقت طويل يختزلها في نشاطات وممارسات محدودة جداً دون وجود مظلة أو مرجعية ثقافية بالمعنى المؤسسي كما هو في البلدان الأخرى، بل إن مفردة الثقافة ذاتها تم تحميلها ما لا تحتمله من التوجس والجدل، وذلك ما جعل المطالبات بإنشاء وزارة للثقافة لا تلقى آذاناً صاغية حتى جاءت المرحلة الجديدة التي أعلت من شأن الثقافة وأنشأت لها كياناً مستقلاً يعنى بها وينقب في مناجمها المتنوعة التي يزخر بها الوطن، ولينتج عن ذلك حراك ثقافي شامل مبهج. إن الاهتمام بالثقافة ليس ترفاً ولا شكلاً من الكماليات، بل ضرورة حقيقية مهمة لكل الشعوب، يعبر عنها ببراعة السيد جاك لانغ في حواره حين يقول:

لدينا أدلة كثيرة على أن المشروعات الثقافية عادت بالنفع على المجتمعات، وأنا لا أتحدث هنا عن الجانب المادي فحسب؛ بل عن الكمّ الهائل من السعادة والجمال والإشعاع الفكري الذي تحظى به المجتمعات التي تهتم بمؤسساتها الثقافية. تجاهل الثقافة أو الاقتطاع من ميزانيتها ليس فقط إجراء ضّد الجمال والصالح العام؛ بل أيضاً ضد المستقبل، ولن أبالغ حين أقول بأنه بمثابة «الفعل الإجرامي».