-A +A
تان بانغلين
أحدثت أزمة أوكرانيا مع تداعياتها تأثيراً واسعاً على العالم بأسره وأثّرت في السلام والاستقرار والانتعاش الاقتصادي للعالم. لقد ارتفعت أسعار الطاقة والغذاء بغاية السرعة أخيراً، مما ترك التأثيرات في معيشة الشعب والاستقرار في كثير من الدول، حيث تولي عديد من الدول النامية اهتماماً بالغاً في تطور الوضع وتقلق بالانقسام والمواجهة في العالم وتبدي قلقاً واهتماماً شديداً بالعقوبات الأحادية التي تخرب سلاسل الصناعة والإمداد الدولية.

إن الصين تتمسك بالسياسة الخارجية السلمية المستقلة دائماً وتصدر أحكامها انطلاقاً من طبيعة الوقائع. في قضية أزمة أوكرانيا، تلعب الصين دوراً بنّاءً على أسلوبها الخاص في تهدئة الوضع ودعم محادثات السلام والحيلولة دون حدوث الأزمة الإنسانية. وفي الوقت نفسه، نعتقد أن لكل دولة الحق في تقرير سياساتها الدبلوماسية بشكل مستقل. لا ينبغي لأي دولة أن تضطر الآخرين إلى الانحياز إلى جانب أو صف ما، ولا ينبغي أن تتبع نهج أبيض وأسود لتقسيم الآخرين إلى أصدقاء أو أعداء، وعلينا أن نقاوم عقلية الحرب الباردة ومواجهة التكتلات على وجه الخصوص. تحمل الصين مع عديد من الدول، بما فيها الدول النامية، نفس الموقف إزاء هذا الشأن.


إن الصين تبذل الجهود الإيجابية في تعزيز التصالح والتفاوض. منذ وقوع أزمة أوكرانيا، أجرى الرئيس الصيني شي جينبينغ مكالمات هاتفية أو مرئية مع رؤساء كل من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وأفريقيا الجنوبية وإندونيسيا ومجلس الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية ورئيس وزراء بريطانيا، وتبادل وجهات النظر معهم بشكل عميق حول قضية أوكرانيا، ودفع محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا وطرح «الخطة الصينية» لتحقيق السلام للبلدين. أما مستشار الدولة وزير الخارجية الصينية وانغ يي، فأجرى الحوارات الهاتفية أو المرئية أو وجهاً لوجه مع نظرائه كل من روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وغيرها من أكثر من عشرين دولة أوروبية وآسيوية وأفريقية وقدمت المساهمة الصينية في سبيل تعزيز التصالح والتفاوض لتخفيف توتر الوضع.

إن الصين تتخذ التدابير الفعالة لتخفيف الأزمة الإنسانية الأوكرانية. بعد اندلاع الأزمة، طرحت الصين اقتراحاً من ست نقاط لمنع حدوث أزمة إنسانية واسعة النطاق في أوكرانيا، أي الالتزام الضروري بمبدأ الحياد وعدم التحيز، وإيلاء الاهتمام بالنازحين في أوكرانيا وتزويدهم بمعونات ومأوى مناسباً، وتجنب وقوع كوارث إنسانية ثانوية في داخل أوكرانيا، وضمان إجراء أنشطة مساعدات إنسانية آمنة وسلسة، وضمان السلامة والأمن للأجانب في أوكرانيا، كما دعمت الأمم المتحدة في لعب دورها التنسيقي لتقديم المساعدات الإنسانية. لقد قدمت منظمة الصليب الأحمر الصينية مساعدات إنسانية طارئة إلى أوكرانيا، بما فيها الغذاء والحليب المجفف وأكياس النوم ولحاف القطن والحشية المضادة للرطوبة، وقد وصلت الدفعة الأولى منها بقيمة ٥ ملايين يوان إلى أوكرانيا. في الآونة الأخيرة، نظراً لتطورات الوضع في أوكرانيا، أعلنت الصين تقديم دفعة أخرى من المساعدات الإنسانية بقيمة ١٠ ملايين يوان. كما قدمت الصين المواد لمساعدة الدول الأوروبية التي تؤوي كثيراً من اللاجئين الأوكرانيين.

إن «ازدواجية المعايير» غير مقبول في الشؤون الدولية. يجب على المجتمع الدولي ألا يتبنى معايير مزدوجة سواء كان في قضية أوكرانيا أو قضية فلسطين أو غيرهما من القضايا الدولية والإقليمية الساخنة الأخرى. صحيح أن اللاجئين الأوكرانيين يستحقون التعاطف، ولكن اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول أخرى ألا يستحقون التعاطف؟ هذه المعايير المزدوجة غير مقبولة! فإذا كان الأذى الذي يلحق بالمدنيين الأوكرانيين جريمة حرب، فكيف يمكن أن يمر الأذى الذي لحق بالمدنيين في يوغوسلافيا وأفغانستان وفلسطين دون عقاب؟ هذه المعايير المزدوجة غير مقبولة! ووُصفت الهجمات على أوكرانيا الانتهاك لمبدأ احترام السيادة، وأما الهجمات والاحتلالات على أراضي يوغوسلافيا وفلسطين وغيرها تحركات فهي معقولة ومشروعة؟ هذه المعايير المزدوجة غير مقبولة! ويكرَر التشديد على حرمة السيادة في سياق قضية أوكرانيا، لكن في قضايا ليبيا والسودان والعراق يكرر الهتاف بأن حقوق الإنسان أعلى من السيادة؟ هذه المعايير المزدوجة غير مقبولة!

يجب احترام السيادة وسلامة الأراضي لجميع الدول، ويجب مراعاة المقاصد والمبادئ لميثاق الأمم المتحدة، وينبغي أخذ الشواغل الأمنية المشروعة لكل دولة بجد. لا تتم تسوية القضايا الإقليمية الساخنة بشكل عادل وتحقيق السلام الدائم للعالم إلا بشرط التخلي عن المعايير المزدوجة!

إن الصين تدعو لمفهوم الأمن المشترك الشامل التعاوني المستدام. لقضية أوكرانيا الظروف التاريخية المعقدة، وتطور الوضع إلى هذا الحد هو نتيجة التأثير المشترك لعوامل مختلفة، والمجمدة ثلاثة أقدام ليست برد النهار. تعتبر الجولات الخمس لتوسيع الناتو إلى الشرق تحت قيادة الولايات المتحدة سبباً جذرياً لأزمة أوكرانيا. لا يمكن إنهاء الحرب إلا انطلاقاً من إيجاد السبب الجذري وحله. نؤكد على أن ضمان أمن دولة ما لا يمكن يبنى على حساب الإضرار بأمن دول أخرى، ولا يمكن تحقيق الأمن الإقليمي بواسطة تعزيز الكتلة العسكرية. يجب بناء هيكل الأمن المتوازن الفعال المستدام بمبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة لكى تجنّب الحرب في أراضي أوروبا وتورط المناطق الأخرى.

إن الصين تقف دائماً إلى جانب السلام بقضية أوكرانيا. في الوضع الحالي، يجب الالتزام بالنقاط الأربع لحل أزمة أوكرانيا. أولاً، ينبغي التمسك بتعزيز التصالح والتفاوض. يجب على المجتمع الدولي أن يواصل تهيئة الشروط والظروف للمحادثات بين الجانبين الروسي والأوكراني وإفساح المجال للحل السياسي، بدلاً من صبّ زيت فوق النار وزيادة حدة التناقض.

ثانياً، ينبغي منع حدوث أزمة إنسانية أكبر. ثالثاً، ينبغي إيجاد السلام الدائم في قارتي أوروبا وأوراسية. لم يعد من الممكن بناء هيكل الأمن العالمي والإقليمي بعقلية الحرب الباردة في عصر اليوم الحديث. إن الصين تدعم أوروبا، خاصة الاتحاد الأوروبي للعب الدور القيادي، وتشجع الدول الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة والناتو على إجراء الحوارات ومواجهة التناقضات المتراكمة في الأعوام الماضية لإيجاد الحل ودفع بناء هيكل الأمن المتوازن الفعال المستدام. رابعاً، ينبغي الحد من توسع النزاعات المحلية. يجب التعامل مع الأزمة الأوكرانية بشكل صحيح، ولكن من غير الصحيح أن تربط هذه القضية بالعالم كله، ناهيك عن جعل شعوب جميع البلدان تدفع ثمنا باهظا مقابل ذلك كالغارق اليائس الذي يمسك بقشة. إن المنظومة الاقتصادية العالمية الحالية هي الإطار الذي تشكله من خلال الجهود الطويلة المدى لجميع دول العالم وهي مجموعة عضوية. على جميع الأطراف أن تحرص على الإنجاز المثمر، بدلاً من تدمير المنظومة الاقتصادية العالمية بسهولة، ناهيك عن تسييس الاقتصاد العالمي واستغلاله وتسليحه، مما يسبب أزمات عالمية خطيرة في المجالات المالية والتجارة والطاقة والتقنية والغذاء وسلاسل الصناعة والإمداد.

إن عالم اليوم مجتمع مصير وثيق الصلة لجميع الدول. إن السلام والاستقرار كالهواء وضوء الشمس بالنسبة للبشرية، ولا ينبغى ألا نحرص عليهما إلا بعد فقدهما. دعونا نعمل سوياً على التمسك بالإنصاف والعدالة الدوليين والحفاظ على السلام والاستقرار العالميين.