-A +A
منى العتيبي
أذكر جيدًا ردود أفعال أغلب الناس وقت جائحة كورونا ورفضهم للتعليم عن بُعد وظهرت حينها «هاشتاقات» بمواقع التواصل الاجتماعي تطالب بالعودة الحضورية للدراسة وواجهت منصات التعليم عن بُعد نقدًا لاذعًا وتصيدًا لأي خلل تقني طارئ ولحظوي واستمرت القصة حتى بدأت بلادنا الحبيبة بالسيطرة التامة على الجائحة العالمية وعادت الحياة الحضورية إلى أعمالنا ومدارسنا ثم ظهرت عقبها الهاشتاقات والأصوات نفسها تطالب بعودة التعليم عن بُعد وساقوا معها الحجج الواهية!

ونعيش هذه الأيام عودة الأصوات أيضًا نفسها مطالبة بالدراسة عن بُعد في شهر رمضان بحجة التعب والإرهاق وبأنه شهر العبادة؛ علمًا بأن العمل وطلب العلم جزء لا يتحزأ من العبادة!


والمتأمل في التاريخ وحقبة حياة الرسول محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام سيجد بأن شهر رمضان كان شهر الحراك العملي والعلمي، خاصة وأن جبريل -عليه السلام- كان يلقى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في رمضان، ويُدارسه القرآن؛ فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القُرآن، حيث قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، وتربت على هذه المُدارسة آثار عظيمة أسست الإنسان فكريًا وأخلاقيًا وحققت الرسالة الإسلامية مبتغاها؛ لذلك من المهم جدًا أن ننتهز فرصة الصيام وشهر رمضان لغرس القيم السامية والإنسانية في نفوس أبنائنا وبناتنا وتحديدًا قيمة الانضباط والحس بالمسؤولية والشعور تجاه المستقبل من خلال بذل الجهد في بناء مستقبلهم.

هذه القيم التي ظهرت في الرسائل الثلاث التي وجهها معالي الوزير للطالب الذي بادره بالسؤال عن إمكانية غيابه عن الدراسة في رمضان، وتكمن الرسائل في التالي: أولًا: حين قال: «لا مو عادي» كان جوابًا حاسمًا بضرورة عدم التهاون وضرورة الانضباط، الرسالة الثانية حين قال: «شهر رمضان زي الأشهر كلها» وتشير إلى ضرورة تغيير الصورة الذهنية المزروعة في نفوس أبنائنا بأن شهر رمضان شهر الخمول والأكل والنوم، الرسالة الثالثة في قوله: «وأنت قدها» وتشير إلى ضرورة زرع الحس بالمسؤولية عند الأجيال..

ومع هذا كله عملت وزارة التعليم على مراعاة الصيام في هذا الشهر الفضيل وجعلت العملية التعليمية في المدارس والجامعات عملية مرنة؛ حيث قلصت ساعات الدراسة ووضعت الأنظمة المرنة دون أن تخل بالتحصيل الدراسي، كما رفعت من مستوى التوعية والتثقيف في تقديم رسائل تربوية للمجتمع التعليمي والأسرة تحديدًا بشأن الدراسة في رمضان وأطلقت برامج تساعد على تلقي التعليم وسط أجواء تربوية وتعليمية إيجابية وما زالت حتى اللحظة تعزز قيم الانضباط والمسؤولية والعمل الجاد بما يعود بالنفع على المواطن والوطن.

ختامًا.. علموا أولادكم بأن المستقبل يأتي بالصبر والمثابرة والشعور بالمسؤولية لا بالملاعق الذهب.