-A +A
منى المالكي
يقول رينيه وليك في كتاب «النقد الأدبي نظرة تأريخية» حول محاولة تعريف النقد، إنه «حديث حول الأدب»، فهو أي النقد يقوم على تعريف الأدب وتفسيره من خلال استحضار جملة مقومات تتحدد فيها شخصية من يتصدى للنقد، ولا تتوقف عند المنهج بل تتسع لتشمل: الموهبة والاستعداد الذهني والثقافة المتسعة التي استمدت من ممارسة القراءة والتجربة والمعرفة وتعدد التجارب المختلفة، كذلك القدرة على صياغة الأفكار المتشعبة لتصبح كياناً شمولياً متماسكاً، فالنقد يقوم بمهمة إيضاح المبهم فيما نقرأ، وتنظيم النص تنظيماً يخرجه من الفوضى التي ربما كانت تسوده، ونقصد بالفوضى هنا المجاز وتأويلاته وتقديمه للقارئ الذي ربما لا يملك الأدوات القرائية لتنظيمه وتفكيكه، وإن كانت هذه المحاولة تخرج الإبداع عن دهشته، وهذا مما يعاب على النقد في محاولته ترويض تلك اللغة المنفلتة من أسر المنطق والواقع!

هذه المعارك المحتدمة الدائمة بين الإبداع والنقد أزلية، ولن تنتهي، لكن الغريب أن بعض المبدعين والمبدعات النقاد والناقدات ينظرون ذات النظرة للنقد! فهم وهن، منحازون ومنحازات للتعريف بالشاعر أو الروائي أكثر من الناقد أو الناقدة! رغم رسوخ أقدامهم في النقد؟ كيف تمكن الإبداع في نفوسهم واستأثر بصنعتهم التي تعتمد العقلانية؟ هل هو هروب من المنطق الذي يحرّض عليه النقد؟ أم هو استراحة محارب للرجوع مرة أخرى لنزال النصوص؟!


يرى ريشاردز في كتابه «مبادئ النقد الأدبي» أن مهمة النقد تتلخص في أنه يجيب عن أسئلة محددة يدور معظمها حول: «ما الذي يضفي قيمة على تجربة قراءتنا لإحدى القصائد»، ثم يقرر: «إن نظريات النقد القائمة لا تتألف إلا من بعض التخمينات التي هي وليدة الذكاء والكثير من الأقوال الشعرية والبلاغية»، فاللغة النقدية ليست بتلك اللغة الجافة كما يراها البعض، وإن كانت تعتمد منهجاً علمياً، ولكن هي تحاكي نصوصاً مادتها لغوية تشبه الزئبق في حركتها! وهذا ما يؤكد استحالة الوصول بالنقد إلى مستوى العلم مثلاً كما يرى رينيه ويلك «يظل النقد الأدبي فناً لا علماً، والناقد الذي يحاول أن يحيل منهجه التطبيقي إلى اتباع منهج علمي صارم يقع في خطر كبير، وهو أنه يفوّت على نفسه وعلى قرّائه بلوغ الحيوية في الأثر الأدبي»، فالنقد الأدبي يتعامل مع عالم متغير بتغير الزمن، ومع موضوعات إنسانية تعيش تحولات وتناقضات كبرى، فلا يمكن التعامل معها بعلمية صارمة، وهنا تكمن براعة الناقد وذكاؤه في السير على خطين متوازيين لا يلتقيان، الإبداع والنقد، فإن كان المبدع مهموماً بقصيدته أو روايته فقط، فالناقد يزيد عليه بالخط الآخر، وهو محاولة استنطاق تلك النصوص أكثر من مرة!

ويظل بعض المبدعين ينظرون إلى النقد أن لا قيمة له، وهو خطوة لاحقة لإبداعه، وفي رأيي أنها وجهة نظرجائرة؛ لأن النقد في أحد جوانبه هو فلسفة للحياة وتمهيد الإبداع لتلقي هذه التساؤلات ومحاولة تعليلها! ويظل التساؤل قائماً، لماذا يذهب معظم النقاد المبدعين والناقدات المبدعات إلى المجاز وتأويلاته؟!