-A +A
منى المالكي
زراعة بذور التفكير النقدي في التعليم والإعلام والدراما والثقافة، والعمل على سقايتها بهدوء والحذر من استخدام أدوات الحرس القديم، أعني الإقصاء والتهميش والضرب على وتر الدين أو الوطن أو الهوية! هذا كله سيخرجنا من نفق الشعبوية الممسكة بتلابيب معتنق «ما يريده الجمهور»، الذي سيؤدي بنا إلى ذات النتائج السابقة من أن هناك فضيلة لا بد من حراستها، وهناك قطيع لا بد من حمايته!

المتابع لما يدور من نوبات هستيرية للدفاع عن الفضيلة من جميع شرائح المجتمع بدون تحديد في مجتمع متدين بالفطرة، ملتزم أخلاقيا بالسليقة، نجده ذات المجتمع الذي يحتاج إلى قوانين صارمة في ملف الأحوال الشخصية التي تحفظ حقوق المرأة مثلاً! هو ذات المجتمع الذي يعترض على قانون التشهير بالمتحرشين حفاظا على السمعة مع أن ذلك المتحرش تجاوز الخطوط الحمراء للفضيلة بتعديه لفظيا أو جسديا على امرأة أو طفل! هنا يتملكنا الشعور أننا أمام مجموعتين بشريتين لا تمتان لبعضهما البعض بصلة، فمن ناحية هم حراس للفضيلة ومن ناحية أخرى يسعون إلى شعبوية مقيتة، تبرز الفضيلة إحدى ضحاياها، والتضحية بالفضيلة هنا تجوز في أعراف الحرس الجديد لسبب واحد هو ترسب قيم وثقافة لم تتخلص منها تلك العقول وما زال الحنين إلى تلك الأطلال حلما يراودهم!


«علمني كيف أفكر، لأن إصرارك على أن تلقّنني ما الذي أفكر فيه يقودنا إلى الهاوية»، وهذا ما يحدث في التعامل مع مخرجات الثقافة الآن من مسرح وموسيقى وترفيه وأدب وفنون. لا يكفي أن تقوم بمبادرات مميزة وتقديم قدوات هائلة وتتحدث بعدة لغات، لا بد من التأسيس الصحيح لتلك العقول الغضة القادمة بقوة والتي ستقود المشهد بعد حين، هذه العقول عندما تتلقى على مدى العالم الافتراضي المتلاطم الأمواج هذا الكم الهائل من المقالات والمقاطع والقنوات بالوصاية على تفكيرهم سنعود للمربع الأول وكأننا ما حصدنا نتيجة الانفتاح على العالم!

ولتحقيق مفهوم التفكير الناقد وتعميق وتأصيل الانفتاح على الثقافات المختلفة والابتعاد عن مفهوم الوصاية لا بد من دعم نظم دائمة لحوكمة الثقافة، دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة، الاعتماد على التفكير الناقد منهجا وسلوكا للتعامل مع أنظمة التعليم والثقافة مستقبلا.